الولايات المتحدة ليست وسيط سلام
عائدة أسعد
للمرة الألف، أصيب أولئك الذين كانوا يعتمدون على الولايات المتحدة للعب دور الوسيط الكفء للسلام في الشرق الأوسط بخيبة الأمل، لأن رحلة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى المنطقة الأسبوع الماضي لم تفشل فقط في نزع فتيل الوضع هناك، بل دفعت أيضاً قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى شنّ غارات جوية على أهداف في عدة أماكن في إيران يوم السبت الماضي، بعد يوم من عودته إلى الولايات المتحدة.
وقد انتهت زيارة بلينكن التي استمرت أسبوعاً إلى المنطقة، وهي زيارته الحادية عشرة إلى الشرق الأوسط في عام واحد، بما يمكن اعتباره فشلاً بكل معنى الكلمة، حيث أثار هجوم قوات الاحتلال الإسرائيلي على أهداف إيرانية مخاوف من أن المواجهة التي استمرت لسنوات قد تتحوّل إلى حرب إقليمية شاملة، تجتذب الولايات المتحدة وربما قوى أخرى.
إن “إسرائيل” ومنذ شنّها الهجوم العسكري الكبير على المقاومة اللبنانية قبل شهرين، تتصرف وكأنها مستعدّة لمواجهة أي جيش أو جهة تعتبرها عدواً. وفي ظل هذه الظروف، وخاصةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحاسمة، يبدو أن واشنطن تشعر بالحاجة إلى تهدئة الوضع المغلي في الشرق الأوسط.
من هنا فإن رحلة بلينكن الأخيرة، وباستثناء استئناف المفاوضات بشأن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، لم تسفر عن أي شيء تقريباً، ناهيك عن وقف إطلاق النار المتوقع في غزة، والذي اعتبره كثيرون، بما في ذلك الولايات المتحدة، احتمالاً بعد أن أعلنت “إسرائيل” اغتيال يحيى السنوار.
ومع اغتيال إسرائيل لكبار قادة المقاومة في الأشهر الأخيرة، تصوّر المجتمع الدولي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيتوقف عن تهوره العسكري، لكن العدوان الإسرائيلي المستمر يظهر مدى خطأ هذا التصور.
إن الجنون الإسرائيلي من شأنه أن يوجّه ضربة مدمرة أخرى للعالم، الذي لا يزال يعاني من الكارثة الإنسانية التي تسبّب فيها الهجوم الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، وقد حان الوقت لأن يطلب المجتمع الدولي من “إسرائيل” إيقاف هذه الحرب مباشرة وبكل الطرق الممكنة التي أودت بحياة نحو 50 ألف فلسطيني.
بالإضافة إلى السر المكشوف أن دعم واشنطن القوي شجع “تل أبيب” على إطلاق العنان للعنف الوحشي في المنطقة، ومن الأسرار المكشوفة أيضاً أنه بدلاً من إرسال أعلى دبلوماسييها إلى المنطقة بشكل متكرّر، كان بإمكان واشنطن المساعدة في إنهاء الحرب من خلال وقف إمداد “إسرائيل” بالأسلحة والمعدات العسكرية المتقدمة والمساعدات.
ففي الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن واشنطن و”تل أبيب” بدأتا تنفيذ حزمة مساعدات طارئة بقيمة 5.2 مليارات دولار لتعزيز نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي، والتي كانت جزءاً من المساعدات العسكرية البالغة 8.7 مليارات دولار التي وافقت عليها الولايات المتحدة في أواخر أيلول الماضي. وعليه ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في تفضيل “إسرائيل”، فلا أمل في انتهاء المواجهات والصراعات في الشرق الأوسط.
إن التكلفة البشرية للصراعات مذهلة ومروعة، ففي غزة فقد أكثر من 42 ألف شخص حياتهم، وهو رقم يمثل نحو 2% من عدد سكان القطاع الفلسطيني. وفي لبنان، قالت وزارة الصحة إن عدد القتلى على مدى العام الماضي تجاوز 2500 شخص، وأكثر من 12 ألف جريح.
لذلك السبيل الوحيد لإنهاء الصراع هو أن تتصرف الولايات المتحدة بمسؤولية، وأن تتوقف عن إمداد آلة الحرب الإسرائيلية بالوقود، وهذا ليس الوقت المناسب للإيماءات الرمزية والدبلوماسية الزائفة، فقد حان الوقت لبذل جهود صادقة لوقف المغامرة العسكرية الإسرائيلية، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، ومنع الدائرة المفرغة من الأعمال الانتقامية المتبادلة، وأنه حان الوقت للولايات المتحدة أن تتصرف بإنسانية وتستعيد السلام من خلال إجبار “إسرائيل” على وقف حربها المجنونة.