ثقافةصحيفة البعث

سامي الدروبي عميد الترجمة والمفكر العروبي الأصيل

حمص ـ سمر محفوض

شكل سامي الدروبي علامة فارقة في مسيرة الترجمة إلى العربية، كما أنه شخصية موسوعية الثقافة، توزعت إبداعاتها آداباً وفلسفة ومعرفة وصلابة مواقف، وليس سهلاً أن يكون المترجم مبدع وقادر على نقل الأفكار والمشاعر والأحاسيس النبيلة من لغة إلى أخرى، بعيداً عن الترجمة الحرفية لما يراد ترجمته، وليس سهلاً أن يكون قادر على صياغة النص المترجم بأسلوب ولغة يناسبان الشريحة المستهدفة بالترجمة وأسلوبها، ما لم يكن محافظاً على سمات النص الأصلي وجاذبيته، وفق ما بيّن الدكتور محمد الحوراني، رئيس اتحاد الكتاب العرب، وذلك خلال الندوة  الثقافية التي نظمها  اتحاد الكتاب العرب بالتعاون مع جمعية الترجمة ومديرية ثقافة حمص  تحت عنوان “سامي الدروبي.. عميد الترجمة”.

وأكد الحوراني أن الدروبي كان الأغزر إنتاجاً وإغناءً للمكتبة العربية بما قدمه من ترجمات زينت المشهد الثقافي والإبداعي على مستوى المنطقة العربية، التي أحبها وعشق أمجادها وموروثها الأخاذ، فأضاف إلى المكتبة العربية بما قدمه من ترجمات وزاد من تميز آدابها، ليشكل أكاديمية متكاملة وحقيقية في الأدب والترجمة والإبداع، وذلك أيضاً بفضل إيمانه العميق بالرسالة الحضارية العربية، وهذا ما دفع الرئيس اليوغسلافي “تيتو” إلى تقليده الوسام الأرفع في بلاده، ليس سفيراً فحسب، إنما كاتباً وأديباً كبيراً رزق فصاحة اللسان وعروبة البيان، مضيفاً: “كيف لا، وهو سليل مدرسة الانتماء القومي الصادق؟، إذ بقي حتى اللحظة الأخيرة من حياته يرفض أن يكون محايداً في القضايا القومية والوطنية المصيرية، مجسداً صدق الانتماء وثبات المواقف لفعله الأدبي الخلاق، كما تمسك بإصراره الواعي ومحاولات مد الجسور بين الماضي والحاضر والمستقبل إلى درجة جعلت منه العالم والمفكر الأسمى، والمؤمن إيماناً مطلقاً بأن نهضة أمته لا يمكن أن تتحقق إلا بالاطلاع الشامل على الحضارة الحديثة، وتمثل وجوهها المختلفة أدباً وفكراً وفلسفةً، كما شدد الحوراني أن الدروبي أعلن عن رفضه للترجمات الشكلية والسطحية السريعة، ما دفعه إلى إعادة ترجمتها بنفسه لتكون لائقة بأمته وثقافتها وحضارتها.

فيما تناول أستاذ الترجمة في جامعة دمشق، حسام خضور في المحور الأول من الندوة “الترجمة غير المباشرة.. ليست خياراً”، مسلطاً الضوء على أسلوب الدروبي في الترجمة، وبراعته في استخدامها بشقيها المباشرة وغير المباشرة، مستبقاً ذلك بتعريفها على أنها فعل معرفي قبل كل شيء، وهي مرتبطة بنهضة الشعوب والأمم،  فالترجمة دخلت حياتنا بشكل واسع، لافتاً إلى أن الدروبي أبدع في الترجمة غير المباشرة التي تعد من أهم أساليب الترجمة المعاصرة، فدائماً ما نسمع النقاد والمفكرين يتحدثون عن امتزاج الحضارات والثقافات عبر التاريخ وكم أنتج هذا التماهي ثقافات مهمة، هذا ما عمل عليه الدروبي الذي استطاع بما قدمه إلى المكتبة العربية والعالم صُنع لوحة ثقافية عالمية مبدعة.

وقدم  المترجم والناقد محمد الدنيا في محور “الدكتور سامي الدروبي المترجم والإنسان”، لمحات مطولة عن حياة الدروبي مبدعاً ومترجماً، مستذكراً مراحل حياته ودراسته وعمله، والمهام التي أوكلت إليه، حيث تنقل بين مناصب عدّة فكان وزيراً، وسفيراً، ومستشاراً، كما أفرد الدنيا، مساحة للحديث عن الجوائز التي نالها الدروبي تقديراً لأعماله المتقنة، إذ اجتهد الدروبي وأخلص لتجربته، ما مكنه من إنجازات مهمة جداً، فقدم ترجمات لأعمال الأدباء والشعراء العالميين البارزين مثل “تولستوي” و”بوشكين” و”ديستويفسكي” و”سارتر”.

ولم يتوقف إتقان الترجمة، ونقلها بشكلها الموضوعي والعلمي عند الدكتور سامي الدروبي على الأدب فحسب، وفقاً للدنيا، بل أتقن ترجمة الكتب والمراجع العلمية والموسوعية بحرفية عالية معبرة عن تمكنه من إتقان اللغة وقواعدها عبر توظيف دقيق منتج للقيم المضافة البشرية، ومضيفاً عليها من روحه المبدعة وثقافته والمهارات اللغوية التي منحتها له حنكته الواسعة لتكون الترجمة لديه جمالاً وصياغة تضاهي النص الأصلي، بل ربما تتفوق عليه عبر التوضيح والتقريب والإغناء، وأضاف الدنيا: “إن الدروبي أخلص أشد الإخلاص لعمله وتميز بالصدق، فاستحق مكانته التي وضعته بمرتبة مرموقة بين أعلام التجديد الفكري في عالمنا المعاصر”.

وتحت عنوان “الدكتور سامي الدروبي مترجماً وناقداً أدبياً” ذهب مقرر جمعية الترجمة الدكتور ممدوح أبو الوي إلى أن دراسته للفلسفة وعلم النفس ساهمت في ترسيخ الفهم العميق لأدب “دستويفسكي”، ما سهل نقله وتقريبه للقارئ العربي، ولاسيما أن الدروبي كان من قراء أعمال “دستويفسكي” مذ كان في عمر السادسة عشرة، كما كان يحمل رؤيته الخاصة في الترجمة باعتبارها رسالة سامية وليست مجرد وظيفة، مقدماً بذلك للمكتبة العربية أكثر الترجمات من الأعمال الكاملة لهذا الأديب أهمية، إلى جانب ترجمته لأدباء روس آخرين، ليتميز بفضل لغته السلسة وإتقانه لفنون الآداب وتعمقه بدراستها، فضلاً عن ربطها بالسياسة والنقد وعلم النفس كأنما اختط منهجاً جديداَ في الترجمة والتأليف، كذلك كان الدروبي صاحب رؤية، وحياته شكلت نبوغاً مختلفاً وبحرية وإخلاص من الصعب والمستحيل على أصحاب العقول المحدودة استيعابه.

على صعيد علم الاجتماع، قدم الدكتور بلال عرابي شهادته تحت عنوان “رواية مذلولون ومهانون لدوستويفسكي بين ترجمتين”، عرضاً سلط فيه الضوء على الجهد الكبير الذي بذله سامي الدروبي في ترجمة الرواية ونقلها عن لغة وسيطة هي الفرنسية، حيث أضاء الدروبي على الحالة النفسية لأشخاص الرواية مع الاحتفاظ بخاصية شعرية تشف بين جملة وأخرى، مع امتلاكه مقدرة على تفكيك وسبر تقلبات وأعماق الشخصيات، حتى أنه حملها جزءاً من مشاعره، إذ من الممكن القول إنه أعاد تأليفها من جديد، مضيفاً عليها من روحه المبدعة التي تجيد الحفر بعوالم النفس للبشرية.

واحتفى عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب الأديب رياض طبرة، مهنئاً حمص بما قدمه الدروبي ابنها البار من إضافة غنية إلى المكتبة العربية تستحق التوقف عندها، كذلك، أكدت رئيسة فرع اتحاد الكتاب بحمص أميمة إبراهيم أن عميد الترجمة الدروبي يعد واحداً من أكثر رجالات عصره أهمية بعد أن وجد في الترجمة ذاته وشغفه، ما مكنه من الارتقاء في سلم الإبداع ومن الترجمة بلغة وسيطة استحق فيها لقب عميد الترجمة بكل جدارة.

وفي ختام الندوة، كُرّم الباحث والمترجم قصي الأتاسي، لدوره في الترجمات التي قدمها بعدد من الجامعات السورية، كما يحمل في جعبته عدداً من المؤلفات المتميزة والأعمال المترجمة عن اللغة الفرنسية أدباً وشعراً، كما كُرمت السيدة دنيا محمد ناظم الدروبي ابنة أخ الراحل سامي الدروبي (1921 –1976) وهو سياسي ودبلوماسي وكاتب ومترجم وأستاذ جامعي وفيلسوف سوري، كذلك شغل منصب وزير التعليم فترة وجيزة في عام 1963، وترجم العديد من الأعمال الأدبية إلى اللغة العربية.