“الثقافي الروسي” يحتفي بتشكيليين سوريين من الماضي والحاضر
ملده شويكاني
ثمة تقاطعات إنسانية وثقافية بين الشعوب، وهذا ما بدا في التعاون بين المركز الثقافي الروسي واتحاد الفنانين التشكيليين في سورية في معرض “بينان- بين الحاضر والماضي” الذي أقيم في صالة المركز بمشاركة أشهر الفنانين السوريين بالمشهد التشكيلي، إلى جانب بعض الشباب الذين أثبتوا حضورهم ونجحوا بتحديد مسارهم الفني، فعكس التنوع والغنى بالأساليب والتقنيات المستخدمة في أعمالهم، وفي الوقت ذاته كان وثيقة فنية تعزز استمرار هذا الفنّ المتأصل في سورية عبْر الأجيال.
والجميل أن المعرض تميز بحضور كبير للنحت على عكس بقية المعارض بمشاركة مخضرمين أمثال غازي عانا ومحمد بعجانو إلى جانب أعمال الشباب، أما لوحات التصوير فاستحوذت على إعجاب الزائرين، ولاسيما لكبار الأساتذة الذين اشتُهر كل واحد منهم ببصمته الخاصة بتجسيد حالات إنسانية ودرامية تنم عن هواجس النفس وأسرار خفية، بينما عبّرت لوحات أخرى عن التراث بصور مختلفة، وعن الطبيعة ودلالة الخيل على الانتماء والأصالة.
والملفت بالمعرض مشاركة الفنان غسان غانم أمين سر اتحاد الفنانين التشكيليين العام الذي قلّما يشارك بالمعارض بلوحة هيمن عليها اللون الأحمر دلالة على الشغف، جسد فيها حالة حبّ بين رجل وامرأة من خلال الرقص بأسلوب تجريدي يشد المتلقي إلى قراءتها وإلى ما يعكسه التمازج بين الأصفر والأحمر مع طاقة اللون الأبيض باستخدامه ألوان الزيتي، وتحدث مع “البعث” عن المعرض ككل الذي يأخذ شكل تظاهرة فنية بمشاركة أعمال فنانين من أغلب محافظات سورية بالتعاون مع المركز الثقافي الروسي كنوع من التجديد والتقارب بين الثقافات، ونوّه بالسعي لإقامة مثل هذا المعرض في محافظات أخرى في حمص وحلب واللاذقية وغيرها بمشاركة الكبار والشباب.
وتابعت المهندسة مها محفوظ رئيسة فرع دمشق لاتحاد الفنانين التشكيليين: “تُعرف الشعوب بثقافاتها وحضاراتها وفنّها، وهذا المعرض يظهر إبداع الفنانين في الماضي والحاضر فسورية عبر التاريخ تقدم المبدعين للبشرية، وأشارت إلى لوحة نعيم شلش الذي يعتمد بأسلوبه على تحوير الوجوه”.
الفنان عصام درويش شارك بلوحة جديدة بعد مجموعته الشهيرة حضور الغياب، فأخفى الجسد الأنثوي خلف الستارة وأظهر يد الأنثى بأناملها الأسيلة ممسكة بالستارة البنفسجية، وأضفت تدرجات البنفسجي على اللوحة حالة رومانسية تلتقي مع هيكل الشخص الغائب المنعكس بالظل، مستخدماً تقنية التنقيط، ونوّه بأن اللوحة تحمل سراً بالإضافة إلى العناصر الجمالية من حيث التكوين والظل واللون، والسرّ يحرّض المتلقي على قراءة اللوحة فتكون أشبه برواية تشكيلية، فالأنثى تترقب النافذة بينما الظل يوحي بدخول شخص من الباب، أما عن تقنية التنقيط فأوضح أنه في هذه اللوحة عاد إلى مساره القديم بالتنقيط الذي اشتغل عليه قرابة خمسة وعشرين عاماً، ثم غيّر مساره في سنوات الحرب بما يعكس المعاناة بتجسيد دراما الحرب، وتابع “تقنية التنقيط تحتاج إلى أناة وصبر وتتطلب جهداً كبيراً من الفنان”.
وحالة درامية جسدها ناصر عبيد بلوحته المميزة بُنيت بتقنية خاصة من مواد مختلفة وأحبار على خلفية سواد، وشكّل تكويناته الإنسانية بالأبيض، وحفلت ببعد نفسي يسبر أغوار النفس باللونين الأبيض والأسود بشيء من السريالية، مشيداً بالتواصل بين الجيل القديم والحاضر وبالمعرض الجميل بفنانيه وتقنياته.
كما شغلت الواقعية والواقعية التعبيرية حيزاً من المعرض، ولاسيما لوحة الفنان عمار الشوا لمشهد طبيعي، يضم العنصر الأساس لديه برسم الطير، فجسد مجموعة من الطيور المتمسكة بحالة من الحلم على سنابل القمح الصفراء تومئ بالبقاء، في حين يهيم بعضها بالطيران بفنيته العالية بحركة الجناح وتمايل السنابل بإشارة إلى الرحيل.
كذلك لوحة أسامة دياب المرتبطة بعوالم الأنثى، وبالتأكيد تألقت لوحة إسماعيل نصرة برمزية الأنثى التي تحمل بين يديها الطير، وتحلق فوقها في فضاءات اللوحة الطيور.
أما المنحوتات فكانت متعددة الخامات والمضامين من أجملها منحوتة محمد بعجانو برمزية رأس الخيل ووجه الأنثى بانعكاس حالة تعبيرية عن الحب والانتماء.
وجسدت النحاتة نجود الشمري منحوتة عاطفية بحالة عناق من البازلت تنم عن آلام الفقد باحتضان طرف للآخر الذي فقد رأسه وتحول إلى باقة زهور دلالة على الموت، وأظهر العمل حالة إبداعية بتفاصيل الجسد ودقة نحت الزهور الدقيقة مستخدمة الأدوات اليدوية والكهربائية، وأعربت عن سعادتها بدعوة الاتحاد وبالمشاركة مع أساتذتها الكبار الذين مازالوا يعملون على الرغم من كل الصعاب ما يعطي الشباب دافعاً أقوى للاستمرار، وعقبت بأن هذه التظاهرة تنعكس على سورية كلها.
أما النحات حسام نصرة فجسد القسوة التي تعيشها الأنثى من خلال الحركة القاسية بين الكتلة والفراغ لتعكس إحساسها الذي ينتقل إلى المتلقي، مستخدماً الحجر الصناعي، ولوّنها بلون صدأ البرونز والنحاس بدرجات الأخضر المعتق.
ومن الفنانين الحاضرين معتز العمري الذي أشاد بالمعرض الذي قدم تجارب بين جيلين من المخضرمين والشباب بتنوع بالأساليب والتقنيات، وحملت أعمال النحت مضامين عميقة بالإضافة إلى التنوع بالأحجام ما يخلق حالة بصرية ثقافية جميلة للمتلقي، وعقب على لوحة عبد الله أبو عسلي الذي يشتغل على موضوع الطبيعة بتقنية عالية وبأسلوب انطباعي وتعبيري، كما اشتغل على الواقعية من خلال تصوير الواقع برؤيته بإيجاد ألوان قد لا نجدها بالمشهد الطبيعي.
وخلال تجول وزيرة الثقافة د. ديالا بركات في المعرض أثنت على تنوع خامات النحت، وأشارت إلى أهمية المشاركة بين الفنانين البارزين والشباب ما يظهر تنوع الرؤى الفنية والاختلاف بين المدارس الفنية.
وعقب مستشار المركز الثقافي الروسي في دمشق علي الأحمد بأن التعاون بين الثقافتين الروسية والسورية يعد أمراً طبيعياً، إذ يتشارك البلدان بجذور ثقافية غنية، وتنوع من حيث القوميات والأديان واللغات.