دراساتصحيفة البعث

متى يتخلى الاتحاد الأوروبي عن أحكام واشنطن الموروثة؟

عائدة أسعد

نظراً للأرضية المشتركة الواسعة التي تتقاسمها الصين والاتحاد الأوروبي، وخاصةً فيما يتعلق بالعولمة الاقتصادية والتجارة الحرة، كان هناك أمل في أن يعمل الاتحاد الأوروبي، بقيادة جديدة، مع الصين لدفع تعاونهما البراغماتي وحل الخلافات القائمة بينهما من خلال الحوار، لكن إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة أضاف شعوراً بالإلحاح على الصين والاتحاد الأوروبي للعمل معاً لإيجاد استجابة منسقة لما يُتوقع أن تكون سياسات تجارية أمريكية عدوانية، فقد فرض ترامب تعريفات عقابية على الصناعات الرئيسية في كل من الصين والاتحاد الأوروبي خلال ولايته الأولى، وتعهد في حملته بفرض تعريفات جمركية باهظة تزيد عن 60 في المائة على الواردات الصينية، وتعريفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على جميع السلع المستوردة، بما في ذلك تلك القادمة من أوروبا.

لقد كان من المفترض أن يدفع تحذير الرئيس الأميركي المنتخب للاتحاد الأوروبي من أنه سوف يضطر إلى دفع ثمن باهظ لعدم شراء ما يكفي من الصادرات الأميركية بأعضاء البرلمان الأوروبي إلى التفكير قبل اتخاذ قرار بشأن من سيتولى المناصب في فريق القيادة القادم للمفوضية الأوروبية، وكان ينبغي لهم أن يعيدوا النظر إذا ما ذهبوا إلى جلسات الاستماع التي بدأت في بروكسل في الرابع من تشرين الثاني الجاري، سعياً إلى فك الارتباط بين الكتلة والصين.

وصف ماروس سيفكوفيتش، المفوض المكلف بالتجارة والأمن الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي، الصين بأنها الشريك التجاري الأكثر تحدياً بين الكتلة التي تضم 27 عضواً. ورغم أن سيفكوفيتش يدعو إلى إزالة الحواجز التجارية وتعزيز التجارة الحرة والعادلة، إلا أنه اتخذ موقفاً صارماً تجاه الصين، متهماً إياها بعدم توفير تكافؤ الفرص والوصول العادل إلى الأسواق للشركات الأوروبية، وهو برأيه ما يهدد الصناعة في الاتحاد الأوروبي.

إن مثل هذه الافتراضات ذات الدوافع السياسية خاطئة بطبيعة الحال، وستلقي بظلالها على التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي في المستقبل إذا ما تم ترجمتها إلى سياسات، فقد فرض الاتحاد الأوروبي بالفعل تعريفات جمركية باهظة على المركبات الكهربائية المصنوعة في الصين اعتباراً من هذا الشهر، وآخر شيء يحتاجه الجانبان في الوقت الحالي هو تصعيد التوترات التجارية التي قد تعوق التسوية التفاوضية للنزاع التجاري، بالإضافة إلى أن الحرب التجارية على جبهتين، مع الولايات المتحدة والصين، لا تخدم مصالح الاتحاد الأوروبي بأي حال من الأحوال.

إن الصين والاتحاد الأوروبي يتمتعان بحجم تجارة سنوي يبلغ ما يقرب من 800 مليار دولار، بمصالح مشتركة تفوق اختلافاتهما بكثير، ولا ينبغي قطع مثل هذه الرابطة المفيدة للطرفين، والتي تتميز بالترابط المتبادل بسبب التحيز أو قصر النظر السياسي.

كما أن حقيقة أن المفاوضين من الجانبين ما زالوا يجرون محادثات بشأن تعهدات أسعار المركبات الكهربائية، واستئناف الصين وفرنسا المناقشات بشأن الرسوم الجمركية التي فرضتها بكين على واردات البراندي الأوروبية، تشير إلى أن الجانبين ملتزمان بحل الخلافات من خلال الحوار والمشاورات، والعمل من أجل المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة.

ولابد من الاهتمام بالحذر من محاولات الصقور داخل الاتحاد الأوروبي تصوير الصين باعتبارها تهديداً كبيراً للأمن الجيوسياسي للاتحاد، وهو ما يهدد بزعزعة أسس الشراكة الإستراتيجية الشاملة، لأن مثل هذا الخطاب لا يعمل إلا على زرع بذور الانقسام وانعدام الثقة بين الصين والاتحاد الأوروبي.

ومن المأمول أن يرتقي فريق القيادة الجديد في الاتحاد الأوروبي بسرعة فوق مثل هذه الأحكام المتحيزة وغير المدروسة، وينظر إلى الصين دون استخدام عدسة أيديولوجية مشوهة.