المشهد الأوكراني بعد عامين من الحرب
ريا خوري
اعترف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنّ أوكرانيا تعيش حالةً صعبة جداً من الناحية العسكرية بخاصة في المناطق الواقعة شرق أوكرانيا، كان ذلك بعد مرور ألف يوم على بدء الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث أكّد أنّ أوكرانيا يجب أن تسعى بكل ما تملك من إمكانيات لضمان انتهاء الحرب العام المقبل من خلال الطرق والأساليب الدبلوماسية.
في حقيقة الأمر إنّ هذا الاعتراف جاء متأخراً فهو كان قد رفض رفضاً قاطعاً في فترات سابقة لأي لقاء تفاوضي مع القيادة الروسية. أما اليوم تشهد أوكرانيا أنّ الغرب الأوروبي- الأمريكي قد بدأ بالتخلي عن دعمها، وأنّ هذا الدعم بدأ يتآكل بشكلٍ كبير، ليس هذا فحسب بل إنّ فوز الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد أحدث خلخلة كبيرة في بنية الصراع في أوكرانيا، فالرئيس ترامب أعلن مراراً بأنه سيعمل على إنهاء الحرب وعدم تقديم أي مساعدة لأوكرانيا.
الجدير بالذكر أنّ أوَّل طرح لوقف الحرب الساخنة في أوكرانيا كان في شهر نيسان عام 2022 م من خلال مفاوضات كانت قد جرت بين البلدين في بيلاوروسيا وتركيا، والتي تم خلالها التوصل إلى مسودة اتفاق مقبول للطرفين، لكن زيلينسكي تراجع عن مسودة الاتفاق تحت الضغوط الغربية التي جاءت بكثافة على القيادة الأوكرانية، بخاصة من جانب بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق كي يواصل الحرب المدمرة تحت هدف إلحاق (هزيمة إستراتيجية بروسيا)، مع وعد بدعم أمريكي – أوروبي متواصل عسكرياً ومالياً. فلو جرت المفاوضات وتم التوصّل إلى حل، فإنَّ زيلينسكي يكون قد تأخر عامين عن اتخاذ هذه الخطوة الهامة، وكان قد وفَّر على بلادهِ وشعبهِ وجيشهِ كل مآسي واستحقاقات الحرب وكوارثها الكبيرة.
على الصعيد العسكري والسياسي الأوكراني، جميعنا راقب المستجدات التي أدَّت إلى نتائج عكسية غير محسوبة، فلم يعد الدعم الغربي الأمريكي- الأوروبي على حاله، كما تغيّرت المواقف السياسية تجاه أوكرانيا، وبدأت بالتفتت والتهرّب من المسؤولية وعدم التماسك، كما أنَّ الوضع الميداني على الجبهات ليس في صالح القوات الأوكرانية، حيث كسبت القوات الروسية القوية في العدّة والعتاد المزيد من الأرض، عدا أنَّ الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية في عهد إدارة دونالد ترامب الجديدة في حالة عدم اليقين.
اليوم نجد أنّ المستشار الألماني أولاف شولتس قد بادر بالاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير، وذلك لأوّل مرة منذ عامين، وهذا مؤشر واضح وصريح على الانقلاب في الموقف والمزاج الألماني بخاصة، والأوروبي بشكلٍ عام إزاء الحرب الساخنة في أوكرانيا، وبداية وعي بفشل أهداف الحرب ومراميها، حيث أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة أن يأخذ الغرب مصالح روسيا الأمنية في الاعتبار ويزيل الأسباب الجذرية للصراع في أوكرانيا، مشدَّداً على أنّ الجانب الروسي لم يرفض أبداً استئناف المفاوضات بين الطرفين. ونتيجة تلك المستجدات على كافة الأصعدة، فإنّ المفاوضات بين القيادتين الروسية والأوكرانية إذا تمت، فإنها سوف تستند إلى ما تم إنجازه في المفاوضات قبل عامين.
على كل حال لا يمكن إغفال بعض مواقف التعارض بين الموقفين الروسي والأوكراني، إذ أنَّ أوكرانيا ترفض التنازل عن بعض مناطق في شرق أوكرانيا، وعن شبه جزيرة القرم، في حين أنَّ روسيا الاتحادية التي ضمت شبه جزيرة القرم عام 2014 تعتبرها جزءاً من أراضيها، وكذلك مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزابورجيا التي تسيطر عليها القوات الروسية الآن ذات الأكثرية من أصول روسية. لكن في حال دخول زيلينسكي المفاوضات لن يكون في موقف مَن يُملي الشروط على روسيا الاتحادية، وحسب عدد كبير من الخبراء فإنَّ أيَّ حل سياسي بين الطرفين يجب أن يضع في الاعتبار الهواجس الروسية وعلى رأسها الأمن القومي الاستراتيجي الروسي، ومنها أيضاً إعلان حياد أوكرانيا، وعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) مع ضمانات دولية، واعتبار شبه جزيرة القرم أرضاً روسية، أما المقاطعات الشرقية لأوكرانيا، فيمكن أن تخضع لتسوية حسب القوانين الدولية.
وعليه، تنظر جميع دول العالم لما يجري في أوكرانيا بعين متابعة ومتفحصة لمجريات ومستقبل الحرب فيها، بخاصة بعد فوز الرئيس دونالد ترامب وما يحمله من جديد، وما إذا كانت الأوضاع الدولية قد مهّدت الأرضية المناسبة للمفاوضات بين الجانبين، ووضع نهاية لتلك الحرب الدامية.