رياضتنا تعيش أسوأ أيامها والصعوبات التي تواجهها مبالغ بها
ناصر النجار
علينا أن نعترف أن الدورة الرياضية الحالية التي نودع أيامها الأخيرة كانت من أسوأ الدورات على صعيد البناء والعمل والنتائج، وها نحن نشهد تراجعاً رياضياً على جميع المستويات، دون أن يجد القائمون على الرياضة الحلول المجدية للعمل على معالجة أخطاء العمل الرياضي، أو تأمين الإمكانيات اللازمة لدفع عجلة النشاط الرياضي نحو الأمام.
لذلك يجب أن نعترف بأمرين اثنين، أولهما: الظروف الحالية لا تساعد على النمو والنهوض الرياضي، فالعقوبات المفروضة على بلدنا من الطبيعي أن تحد من الخطوات المتخذة وأن تعرقل سيرها، وهذا أمر مفروغ منه.
ثانيهما: الكثير من العاملين في الشأن الرياضي استغلوا هذا الأمر، فكرسوا مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة فجاءت النتائج أسوأ من المتوقع، وإذا كانت العقوبات دقت مسماراً في رياضتنا، فإن هؤلاء دقوا عشرات المسامير فيها!
هذا الفشل الذي أصبح مدوياً وفي كل مكان في رياضتنا، ولم يعد يقتصر الفشل على جانب معين أو في زاوية معينة، بل يشمل كل شيء إدارياً وتنظيمياً وفنياً واستثمارياً وإنشائياً، لكن مشكلة المشاكل أن الجميع يضع الحق في هذا الفشل على غيره، لتضيع القضية، ونبتعد عن الأسباب الحقيقية فعندما نريد معالجة الأخطاء يجب تحديد السبب والمسبب، وهذا الأمر مفقود، ولا أحد يريد أن يعرف أين يكمن!
نعترف أن هناك الكثير من العقبات التي تعترض تقدم رياضتنا، منها العقوبات الخارجية، ومنها الأزمة الاقتصادية، ولكن، ماذا فعلنا حيال هذه الأسباب الطارئة، وما الخطوات التي اتخذناها لتخفيف الآثار السلبية لهذه العقبات على رياضتنا؟
لم نفعل شيئاً، وبدل أن نشكل لجنة طوارئ لمواجهة هذه الأزمات، كنا مع كل العقبات ضد رياضتنا، وللأسف لم نحسن إدارة الأزمة الرياضية، فساهمنا بتراجعها كثيراً، قد تكون مجمل الأزمات تعيق حركة التطور في بعض المؤسسات الرياضية، لكنها يجب ألا تنهيها، وللأسف هنالك العديد من الألعاب الرياضية انتهت، والعديد من الألعاب الرياضية تلاشت وباتت حبراً على ورق رياضتنا.
جميع الرياضيين، وكل حسب موقعه ساهم بالتراجع الرياضي، ومع غياب المحاسبة الجادة، فلتت زمام الأمور، لدرجة لم نعد نجد من يتولى إدارات الأندية، فباءت انتخابات الأندية المحترفة وهي صمام أمان رياضتنا بالفشل، ولجأ المكتب التنفيذي إلى التعيين، وهذا التعيين له آثاره السلبية لأنه لم يقدم لنا الرياضي الحقيقي، وبالتالي غرقت أنديتنا في شبر ماء بغياب الرياضيين القادرين على النهوض بالعمل.
هذا مثال واحد، ولكن إذا أبحرنا في الانتخابات القائمة حالياً لوجدنا أنها انتخابات مرسومة، فالقائمون على الرياضة بكل مستوياتها ومؤسساتها تتطلع إلى الاستمرار من خلال ما يسمى (التكتيكات) الانتخابية، فالاتحادات الرياضية على سبيل المثال تسعى لولادة لجان فنية تضمن صوتها لمصلحتها، وهذا يؤكد أنه لا جديد في عالم الرياضة، لأن من دعمناهم اليوم، سيدعموننا غداً في الانتخابات الأعلى سواء على مستوى الاتحادات الرياضية أو اللجان التنفيذية وصولاً إلى أعلى الهرم.
ونتيجة لهذه (التكتيكات) الانتخابية سيستمر الفشل الرياضي لبقاء أصحاب الفشل في أماكنهم، لذلك فالآمال بالنهوض الرياضي افتقد لأول خصائصه وهو العنصر البشري.
المقياس الأهم في نظرية التطور الرياضي هي الدورات والبطولات الكبرى التي عليها المعول، والتي مقياسها الأرقام وعدد المشاركين ومستوياتهم، وللأسف لم نحصل على أي شهادة من هذه البطولات والدورات، وكنا دائماً مع المتخلفين رياضياً.
وكما نشهد فإن التطور قد وصل إلى العديد من البلدان المغمورة رياضياً، أو التي تسعى للظهور الرياضي رغم ضعف الإمكانيات أو ضعف وجود العامل البشري، وهذا السعي هدفه واضح، ولعل العوامل فيه كثيرة وأهمها الإخلاص، والجدية في العمل، والبحث عن وسائل التطور العلمية التي سارت عليها الدول الكبرى.
في الألعاب الأولمبية والبطولات الدولية والقارية لم يعد لنا مكان، كان لنا وجود سابق فيها بسبب بعض الطفرات التي ظهرت بين الحين والآخر، لكن هذه الطفرات كلها لم نستفد منها رياضياً، وربما فائدتها الإعلامية كانت أكبر، لذلك نسأل: لماذا لم نستفد من خبرة غادة شعاع لتخرج لنا أجيال تحذو حذوها، وضمن هذا المعيار نتحدث عن بقية الرياضات.
نذكر أننا كنا أسياد العرب في ألعاب القوة، ولنا في بطولاتها الدولية والقارية والأولمبية ميداليات ما زلنا نرفع رأسنا بها، اليوم تصارع هذه الألعاب الحياة وقد تلفظ أنفاسها الأخيرة في أي وقت.
كان لدينا في السنوات الماضية بطل للعرب في الشطرنج وكان ترتيبه السادس على آسيا، لم نلتفت إلى موهبته ولم ندعمه بشيء فغادرنا نحو بلاد المهجر، ومثله من الرياضيين المتميزين كثير، هذه من سلبيات رياضتنا، وليس سببها كل الأزمات التي تحدثنا عنها، وللأسف فرطنا برياضيين كثر لأننا لم نرد أن نحتويهم، ولم تكن مصلحة الرياضة والرياضيين من أولويات عملنا.
في كرة السلة وهي لعبة احترافية تستنزف المال، لكن هذا المال يهدر دون أي طائل ودون أي محاسبة، ونتائجنا الأخيرة تدل على سوء صناعة كرة السلة، ونستغرب جداً الحال التي وصلت إليها سلتنا وكنا أبطال العرب ولا ينازعنا على بطولتها إلا مصر، ودخلنا بطولة العالم للشباب وفزنا ببطولة الأندية الآسيوية، الكثير من الإنجازات كانت لسلتنا، واليوم صرنا نقف على أطلالها، فكيف لمنتخبنا أن يخسر مع قطر، وكنا نعلمهم كيف يكونوا رياضيين، وكوادرنا بكل الألعاب ما زالت تبصم في رياضتهم، ومثل قطر دول الخليج كلها.
في كرة القدم الوضع أدهى وأمر، وهي خارج منظومة العقوبات لأن المال الدولي يضخ فيها ضخاً، ولا فرق من أن نكون آمري صرف، أو هناك من يصرف عنا ولنا، فالمحصلة واحدة والنتيجة واحدة.
أنديتنا في الدرجات الدنيا آسيوياً، وفي بطولات العرب يكفينا شرف المشاركة والدور الأول، والأمور الإدارية والتنظيمية متخلفة جداً ومشاكلها الإدارية والتنظيمية والمالية مع اتحاد الكرة ومع الفيفا خير دليل على ما نقول، وفي المنتخبات الوطنية صرنا مستباحين للصغار والكبار، فمتى كنا نتصور أن نخسر مع هونغ كونغ وتايلاند والمالديف، حتى ميانمار فرضت علينا التعادل!
الدوري الكروي يتحدث عن نفسه، ويمكننا توصيف كرة القدم بأنها لعبة شعبية هاوية لها نشاطات متعددة، تقام وفق قوانين على صورة الاحتراف، ولأنها بهذا الشكل كان الفشل محيط بها من كل الاتجاهات.
ملاعبنا ومثلها صالاتنا غير صالحة، فعندما كان يكلفنا الملعب من أجل تهيئته وإعادته للحياة قبل سنوات قليلة مليار ليرة، أصبح الآن يكلفنا أرقاماً فلكية، وللأسف فشلنا، حتى عجزنا عن تركيب صنبور ماء واحد في ملعب واحد، أو شبك مرمى صالح، أو مظلة يجلس تحتها احتياط الفريق، وعلينا أن ننظر لداخل ملاعبنا وليس لخارجها لنرى العجب العجاب، كل الدول تملك ملاعب تفتخر بها والعديد من الدول لها ظروف مماثلة لظروفنا، لكننا امتهنا الشكوى والآنين على حساب العمل، وأبدلنا المصالح العامة بالمصلحة الشخصية التي باتت هي الأهم وفوق كل اعتبار، من أجل كل ذلك، فرياضتنا متخلفة ومتراجعة وتعيش أسوأ أحوالها.