صحيفة البعثمحليات

استنزاف مدروس!

بشير فرزان

تشي التصريحات التي تطلق اليوم حول القطاع العام الصناعي على أن هناك خطة ما لإفشال وتعطيل  التوجه الاصلاحي لهذا القطاع الذي بات بالكاد يحتمل المزيد من التأجيل والتسويف للنهوض بواقعه الصعب، وقد بات من الضروري جداً معالجة مشاكله وهمومه بطريقة جدية، كونه قاطرة النمو الاقتصادي الوطني الأساسية، ولكن كل هذا يبقى في دائرة مفاهيم (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)، مع الاشارة إلى الاقتراب أكثر من لحظة التخلي كما يقال، وذلك بطرق واساليب منعددة.

وتجنباً للوقوع في ملف التكرار، ولطرح حزمة جديدة من إشارات الاستفهام التي تحمل في الوقت ذاته إجابات عن حقيقة ما جرى للقطاع العام وعمليات تخسيره، سواء نتيجة لسياسات اقتصادية صناعية غير ناجحة، أو بفعل الفساد.. سنطرح بعض التساؤلات التي تعج بها صفحات التواصل الاجتماعي، وتستحق التبني لتكون قاعدة الانطلاق الرئيسية للإصلاح، مع تقديرنا للجهود المبذولة ولمحاولات وزارة الصناعة لإحياء القطاع العام الصناعي الممدد على طاولات التشريح والتشخيص منذ سنوات دون نتائج فعلية.
ونستحضر من هذه التساؤلات ما كتبناه سابقاً دون أن يستشعر أحد أهمية مضمونه والدلالات التي يقدمها عن هوية الفاعلين الذين كان لهم دور كبير في تصفية المؤسسات والشركات العامة.. من هو المسؤول عن إغلاق مصنع المحركات الكهربائية في اللاذقية، والذي كان ينتج محركات تضاهي محركات أوروبا، ومن ثم فتح باب الاستيراد؟ ومن هو المسؤول عن إغلاق مصنع بطاريات (برق) الكهربائية المتطورة في حينها، وإغراق السوق ببطاريات “زبالة” مستوردة من شرق آسيا كنفايات منتهية الصلاحية؟ ومن هو المسؤول عن تحجيم شركة بردى للصناعات الهندسية لصالح شركات أخرى؟ ومن هو المسؤول عن إيقاف توجه شركة “سيرونيكس” عن إنتاج الهواتف المحمولة، حيث كان مشروعآُ رائدآُ ما بعد سنة ٢٠٠٥؟
ومن هو المسؤول عن تقاعس شركة “سيرياتيل” بالوفاء بتعهداتها بإنشاء مصانع لطرفيات الاتصالات، كالشرائح الذكية، وغيرها مما كان مبرماً في عقودها؟ ومن المسؤول عن تحجيم معمل الورق في دير الزور، ومن بعدها اضطررنا للاستيراد من لبنان؟ ومن المسؤول عن ظهور شركات التجميع التي حرمت خزينة الدولة من ملايين الدولارات شهريآً كتهرب ضريبي بحجة أنها صناعة وطنية، ولكن حقيقتها لا تعدو أن تكون تجميعاً رخيصاُ؟
ومصنع جرارات “الفرات” الذي كان يرفد الزراعة الوطنية بمعظم الأدوات اللازمة، أين هو الآن؟ وهل يعجبكم استجداء الجرارات و”شحاذتها” من كل الدول؟ ومن أغلق معامل البيرة الوطنية، أو أضعفها، وذلك تزامناً مع استيراد الفاكس والتيبورغ؟ ومن المسؤول عن تراجع شركة تاميكو لصناعة الأدوية لصالح مستودعات الاستيراد؟ ولاشك أن هذا غيض من فيض مكونات القطاع العام الصناعي التي دفنت تحت أنقاض الإهمال والتخسير وتهجير الكوادر الخبيرة وتجفيف الموارد لصالح اعتماد سياسة الترقيع الإنتاجي الملائمة لتنفيذ الصفقات!!

بالمختصر.. صحيح أن الحلول موجودة وتطرح، إلا أنها غير قابلة للتطبيق لأسباب كثيرة، أهمها النظرة العامة التي تتعامل مع هذا القطاع كخزائن مالية قابلة للعبث بها دون مساءلة .. فهل الإسراع بإنهاء عقود الاستثمار غير العادلة (استثمار الاسمنت) أمر مستحيل؟ وهل إعادة وضع خارطة صناعية جديدة تستثمر الموجود، وتبني على أنقاض ما دمره الإرهاب شركات عامة تعيد أحياء شعار “نأكل مما نزرع.. ونلبس مما نصنع” مسألة تحتاج إلى مئات اللجان، أم أن المشكلة برمتها تكمن في سيناريو الاستنزاف المدروس الي ينتهي حكماً بالإغلاق؟!