قبية .. مذبحة جماعية ارتكبها الصهاينة
د.معن منيف سليمان
مرّ واحد وسبعون عاماً على القرار الأممي رقم /101/ الذي أصدره مجلس الأمن في يوم 24 تشرين الثاني عام 1953، والذي أدان كيان الاحتلال الصهيوني، بسبب مذبحة جماعية رهيبة ارتكبها في قرية قبية الفلسطينية.
ففي منتصف شهر تشرين الأول عام 1953، أغار جنود الفرقة /101/ التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي بقيادة الإرهابي “أرييل شارون” على قرية قبية التي تقع شمالي مدينة القدس، وذلك بناءً على أمر أصدرته حكومة الإرهابي “ديفيد بن غوريون” إلى قيادة المنطقة العسكرية الوسطى التي أصدرت أوامر إلى الوحدة المذكورة آنفاً وكتيبة المظليين رقم /890/ . ونص الأمر على: “تنفيذ هدم وإلحاق ضربات قصوى بالأرواح بهدف تهجير سكان القرية من بيوتهم”.
وتنفيذاً لهذا الأمر طوّق 600 جندي إسرائيلي القرية تماماً في ليلة 14 تشرين الأول وقصفوها بصورة مركّزة ودون تمييز، ثم دخلت قوة منهم إليها وهي تطلق النار عشوائياً بعد أن تمكنت من التخلص من المقاومة التي أبدتها قوة الحرس الوطني بإمكانياتها المحدودة في القرية، وبينما كان يجري حصد المدنيين العزّل بالرصاص قامت عناصر أخرى بتلغيم العديد من منازل الفلسطينيين وتدميرها على من فيها، وبعد ذلك فجّر المظليون خمسة وأربعين بيتاً من بيوت القرية ومسجداً وخزان مياه القرية، وتم قتل 69 مواطناً غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ، وقال شهود عيان نجوا من المذبحة: “إن جنوداً إسرائيليين رابطوا خارج المنازل في أثناء الإعداد لنسفها وأطلقوا النار على كل من حاول الفرار من هذه البيوت المعدة للتفجير، وقد استمرت المذبحة الوحشية حتى الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي 15 تشرين الأول 1953”.
في بادئ الأمر تذرعت “إسرائيل” أن الهجوم جاء انتقاماً لمقتل امرأة يهودية وطفلها، وادعت أن مرتكبي المذبحة هم من المستوطنين الصهاينة وليسوا قوات نظامية، ولكن مجلس الأمن الذي أدان الجريمة عبر قراره الذي صدر في 24 تشرين الثاني عام 1953 اعتبر الهجوم عملاً تم تدبيره منذ زمن طويل ونفذته قوات نظامية إسرائيلية، وهو أمر أيدته اعترافات بعض القيادات الإسرائيلية فيما بعد.
لقد اعترفت بعض الصحف الإسرائيلية أن ما جرى في قبية كان مذبحة جماعية وجريمة رهيبة، فقد انفردت صحيفة “كول هعام” بعنوان: “ارتكاب عملية قتل جماعية في قرية قبية العربية” الذي نشر في 16/10/1953، حيث جاء في مقال افتتاحي لها “ضد القتل: القتل الجماعي على أيدي إسرائيليين مسلحين جريمة رهيبة .. دير ياسين جديدة”.
إن عملية التهجير القسري للفلسطينيين قد تمّت بشكل مبرمج ومخطط له بهدف تطهير فلسطين من سكانها العرب، وقد واكب عملية التهجير القسري حملات مكثفة من العنف والإرهاب والمجازر التي شكلت إحدى أبرز الأسباب لهجرة عرب فلسطين قراهم ومدنهم، كما رافقت العمليات العسكرية سياسة الحرب النفسية من خلال تسريب أخبار المجازر على نطاق محلي لكي تصل أنباء القتل الجماعي والهدم إلى الفلسطينيين، وذلك لكي تزرع في نفوس السكان حالة من الهلع والذعر ليقوموا بإخلاء قراهم حفاظاً على أرواحهم ومتاعهم وأعراضهم.
إن ما يعيشه الفلسطينيون يومياً من اعتداءات مستمرة وعلى مرأى العالم وأمام شاشات التلفزة يدعو المجتمع الدولي للتدخل السريع لوقف المجازر الهادفة إلى استئصال الشعب الفلسطيني، وضرورة تطبيق الإجراءات القانونية اللازمة فيما يتعلق بجرائم القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستمرارها في انتهاك القانون الدولي.