دراساتصحيفة البعث

أمريكا تخلف المأساة في أفغانستان

ترجمة: عائدة أسعد

كتب الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في مذكراته متأملاً دوافع الأمر بغزو أفغانستان في عام 2001: “كانت أفغانستان هي المهمّة النهائية لبناء الأمة، وكان لدينا التزام أخلاقي بترك شيء أفضل وراءنا”. وها هي الولايات المتحدة تنسحب بعد 20 عاماً لتترك وراءها في أفغانستان المأساة الإنسانية الهائلة والموت والدمار أمام أعين العالم.

لقد تسبّبت القوات الأمريكية منذ احتلالها أفغانستان في مقتل أكثر من 30 ألف مدني، وإصابة أكثر من 60 ألف شخص، وتحويل 11 مليون شخص إلى لاجئين. ووفقاً للأرقام الرسمية في عام 2019 فقط وقع ما لا يقلّ عن 6825 غارة بطائرات بدون طيار في أفغانستان، وتمّ إسقاط 7423 قنبلة وذخائر أخرى على الأرض بمعدل 20 قنبلة يومياً. أي أنه مع تفجير القنابل الأمريكية في كل مكان لطالما كان السلام والاستقرار هدفاً بعيداً عن متناول الأفغان العاديين.

وتزخر الحرب الأمريكية، التي استمرت لعقدين من الزمن في أفغانستان، بالمآسي المؤلمة للأسر الأفغانية، وكانت إحداها غارة جوية أمريكية مميتة على مستشفى أفغاني تديره منظمة أطباء بلا حدود في عام 2015. وعلى الرغم من مقتل نحو 40 مدنياً كما وصفته هذه المنظمة بـ”جريمة حرب” فقد قلّل البنتاغون من خطورة جريمته من خلال الادعاء أن الهجوم القاتل نتج بشكل أساسي عن خطأ بشري.

وفي 5 آذار 2020، قضت غرفة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية بأنه يمكن للمدعي العام فتح تحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في الحرب الأفغانية منذ أيار 2003 بما في ذلك تلك التي ارتكبها أفراد من الجيش الأمريكي ووكالة المخابرات المركزية، ومثل الهجمات المزعومة على المستشفيات وغيرها من الأهداف غير العسكرية والضحايا المدنيين من الطائرات بدون طيار وإساءة معاملة السجناء والتعذيب. ولكن في خطوة نموذجية للهيمنة الأمريكية والتنمر، قامت واشنطن بعد ذلك بحظر الأصول المالية لبعض موظفي المحكمة الجنائية الدولية، وفرضت قيوداً على التأشيرات عليهم وعلى أفراد أسرهم المباشرين كردّ انتقامي.

ولتبرير هجوم واشنطن الاقتصادي والقانوني، ادّعى المدعي العام ويليام بار أن الإجراءات خطوة أولى مهمّة في محاسبة المحكمة الجنائية الدولية على تجاوز تفويضها وانتهاك سيادة الولايات المتحدة.

إن المفارقة المأساوية هي أن الولايات المتحدة الدولة التي لا تحترم سيادة الدول الأخرى أرادت استخدام السيادة كذريعة لعرقلة تحقيق مستقل من قبل المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب التي ارتكبتها.

لقد دخلت الولايات المتحدة أفغانستان قبل عقدين من الزمان باسم محاربة الإرهاب، لكن غطرستها طغت على عقلانيتها ودفع الشعب الأفغاني ثمناً باهظاً. فقد كتب كارتر مالكاسيان المؤرّخ الذي عمل سابقاً مستشاراً كبيراً للقائد العسكري الأمريكي في أفغانستان في كتابه “الحرب الأمريكية في أفغانستان”: “عرّضت الولايات المتحدة الأفغان لأذى مطول من أجل الدفاع عن أمريكا من هجوم إرهابي آخر. ربما اختارت الولايات المتحدة المغادرة بشروطها الخاصة لكن الفظائع التي ارتكبتها ضد البلاد وشعبها لن تُمحى من أذهان الناس في جميع أنحاء العالم”.