ثقافةصحيفة البعث

اللغة العربية في حمى جامعة دمشق وبحضور اتحاد الكتّاب

حسن يوسف فخّور

في الوقت الذي تخوض سورية حرباً وجودية، تسعى من خلاله بعض الدول إلى طمس الهوية الحقيقية للبلاد؛ تستمر جامعة دمشق بدورها الريادي في الحفاظ على الهوية العربية؛ معلنةً رفضها الانسلاخ عن خارطة الوطن العربي وثقافته التي يختزلها سكان المِنطقة من خلال اللغة الرسمية لدوله؛ إذ نظّم اتحاد الكتّاب العرب بالتعاون مع اتحاد الوطني لطلبة سورية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق ورشةً تفاعليةً للمختصين باللغة العربية وغيرهم، بإدارة الدكتور جهاد بكفلوني، والدكتور عبد الله الشاهر.

طرح الدكتور جهاد من خلال محاضرتيه إشكاليات المصطلحات الدخيلة التي تمسّ بأصالة اللغة العربية، في الوقت الذي يدعو بعض المجددين في اللغة إلى ضرورة التجديد لتتلاءم مع متطلبات العصر، مؤكداً “ضرورة التجديد لكل لغات الأرض”؛ لاعتقاده بأنّ “تقوقعَ اللّغة على نفْسها وانكماشها يؤدّيان إلى تراجعها، وقد نذهب إلى اضمحلالها وفنائها”، ووفق رؤياه “اللغة العربية لم تكن يوماً تحيا في برجها العاجيّ منعزلةً عمّا يجري حولها، بل كانت منفتحةً فيما مضى، وهذا دأبُها اليومَ؛ ما جعلَها مرنة قادرةً على مواكبة كلّ جديدٍ في دنيا الفكر والعلْم والثّقافة”.

وتطّرق رئيس الهيئة العامة السورية للكتاب ـ سابقاً ـ إلى شيوع الألفاظ الأجنبيّة في اللّغة العربية وتأثيرها في العمق الثقافي لها، مرجعاً ذلك إلى العولمة التي تمثّل تّأثيرها “باقتحام الكلمات الأجنبيّة ألسنة شريحة كبيرةٍ من عامّة النّاس”، قلقاً بعد أن “استفحل الأمر فوصل إلى النّخبة الثّقافيّة التي نعوّل عليها في إبقاء الضّاد محصّنةً من رياح الكلمات الغريبة التي لا نعرف لها أصلاً ولا نسباً”، بالإضافةً إلى “لعب التّرجمة دوراً سلبيّاً تبدّى في إقحام التّرجمة الحرفيّة على ما ننقله من اللّغات الأخرى”، أما العامل الأشدُّ تأثيراً من وجهة نظره فكان “اهتمام معاهدنا التّعليميّة بتمكين طلاّبها من اللّغات الأجنبيّة، فكان هذا التّمكين على حساب لغتنا العربيّة”.

الأخطاء الشائعة في اللّغة العربية وانعكاساتها على المنتج الثقافي هي الإشكالية التي طرحها الدكتور عبد الله الشاهر في محاضرتيه، متطرقاً إلى أنواع الأخطاء الشائعة من أخطاء لغوية ونحوية وصرفية وإملائية وشكلية، وشيوع هذه الأخطاء وتداولها في الأوساط الثقافية، معدداً أسبابها انطلاقاً من “الأسرة التي ساهمت في زرع مفرداتٍ لغويةٍ خاطئةٍ من دون قصدٍ منها”، مروراً بالمدرسة التي “قلصت حصص اللغة العربية في مناهجها بالإضافة إلى إلغاء بعض الحصص مثل حصة الخط التي ما عادت موجودةً في المناهج المدرسية التي لم تعد تركز كثيراً على اللغة العربية، وتعدها مادة كبقية المواد، وغياب الأنشطة اللاصفية لمادة اللغة العربية”، ومن ثم “الإعلام وما يبثه إن كان مسموعاً أو مرئياً أو مقروءاً”، مع “ضعف نشاطات وزارة الثقافة حول التركيز على اللغة العربية”، ويلحظ الدكتور عبد الله في الآونة الأخيرة “شيوع أخطاء لغوية عند بعض الكتاب”، قلقاً من “هذه الظاهرة الخطيرة لأن الكِتاب له صفة الديمومة، ويؤخذ حجةً، علماً أن اتحاد الكتاب يشدد على هذا الأمر ولا يجيز النشر لمخطوط فيه أخطاء”، ناهيك عن “بروز ظاهرة الشعر العامي على المنابر الثقافية وخاصةً في المنتديات”، ولا ننسى تأثير “وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها السلبي”، مطالباً “بمعالجة هذه الأسباب بشكلٍ منهجي”.

ونادى دكتور النقد الحديث في اللغة العربية إلى ردم المسافة بين لهجاتها بهدف توحيدها، على الرغم من التأثير الجغرافي عليها حسب نظريات الأنثربولوجيا مبرراً ذلك بأنّ “اللهجة في الاصطلاح العلمي هي مجموعة من الصفات اللغوية التي تنتمي إلى بيئة خاصة، يشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة، وبيئة اللهجة هي جزء من بيئة أشمل تضم عدة لهجاتٍ لكل منها خصائصها، لكنها جميعها تشترك وتعمل على اتصال الأفراد في هذه البيئة بعضهم ببعض، لذلك فإن البيئة تنتج مفرداتها التي تلائم عيشها، لكن جميع اللهجات تنتمي إلى جذر لغوي واحد يعود إلى الأصل وهو اللغة العربية” التي دعا إلى توحيدها؛ لأن جميع اللهجات فيها “أصلها الفصحى ولو تنوعت مثل: الكشكشة والفحفحة والعجعجة”، واستعرض خلال محاضرته “أكثر من عشرين لهجة مع الأمثلة” وأعادها إلى “جذرها اللغوي الفصيح”، كما اقترح استخدام اللغة الثالثة “وهي وسط بين الفصحى والعامية، واللغة الثالثة تقلص من اللهجة والغوص فيها، وتشيع الفصحى المتداولة”، مؤكداً ضرورة “عدم تكريس الدراما العربية للعامية، ومنحها جواز سفرٍ على حساب اللغة الأم”، وأهمية “توحيد مجامع اللغة العربية في الوطن العربي وهذا له أثر كبير وخصوصا في التعريب، واعتماد سياسةٍ عربيةٍ واحدة لجميع الدول العربية في المناهج التي تخص اللغة العربية”.

أكّد عضوي اتحاد الكتّاب العرب ضرورة الحفاظ اللغة العربية؛ إذ يدعو الشاعر والدكتور جهاد بكفلوني إلى ضرورة “إرشاد أبنائنا إلى كنوزها بتعليمهم إيّاها لا بتلقينهم، بالأخذ بأيديهم ليكتشفوها، وهذه مسؤوليّة أبناء الوطن كلّهم ولا أعفي، أحداً منها”، في حين يرى الباحث والدكتور عبد الله الشاهر أنّ “الحفاظ على هوية اللغة العربية هو حفاظاً على شخصيتنا وكياننا وأفكارنا وتاريخنا لأن اللغة هي أداة ربط الأفكار بالظاهر المتحرك الذي يعبّر بها كل قومٍ عن أغراضهم وضياع هوية اللغة يعني ضياع الأمة”، وعن المسؤولية يعتقد الشاهر “جميعاً يقع علينا لهذا العبء، ومن ثم المؤسسات والهيئات والإدارة في الدولة وكل ناطقٍ بالعربية تقع عليه هذه المسؤولية”.