قمر يشرق في سماء أخرى
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
“أخي قمر الزمان علوش يشرق في سماء أخرى.. ما أوسع الفقدان، ماأضيق العبارة” استوقفتني هذه العبارة التي رثى بها الأديب حسن م يوسف –أطال الله بعمره- صديق عمره الأديب قمر الزمان علوش حيث جمعتهما صحيفة تشرين في سبعينيات القرن الماضي وشكلا مع الأديب وليد معماري ثلاثياً كانت لهم بصمتهم في الصحافة الثقافية بشكل عام وزاوية قوس قزح التي تناولوا فيها هموم الناس ومشاكلهم بشكل خاص،إضافة لزملاء آخرين كانوا يقاربونهم بالاهتمام الثقافي والفكري، عندما كان للصحافة كلمتها وللحبر قيمته، والمزاج الثقافي والاجتماعي للناس بصحة وعافية.
كان قمر الزمان علوش الذي لملم أوراقه أمس ورحل إلى عالم قد يجد الطمأنينة فيه أكثر من عالمنا هذا، ينظر للحياة بكل تفاصيلها على أنها تجارب يعيشها الإنسان عبر اختلاطه بالناس واكتشاف الحياة، حيث تتطلب التجارب منا الاستيعاب والفهم والمقارنة واتخاذ الموقف الصحيح الذي يحفظ إنسانيتنا، وقد تشابهت تجاربه مع تجارب الناس بتناقضاتها وتعرجاتها ومحطاتها، فكل محطة مر بها تركت آثارها عنده، ولكل تجربة قيمتها وفائدتها ومضارها، فهو كما عرفها لجميع كان يتمتع بحالة من التوازن النفسي كان يردها –رحمه الله- إلى الأرضية السليمة التي نشأ فيها، وحالة الحب والاحتواء والأمان التي عاشها في كنف أسرته، إضافة إلى المعرفة التي سعى إليها من أجل أن يكون له حضوره المؤثر في الساحة الإعلامية والثقافية، ومن حسن حظه أنه دخل مجال الصحافة الذي أتاح له أن يعيش الحياة بكل أطيافها وتلوناتها، فمن وجهة نظره على الإنسان أن يكون مخلصاً لتجربته وذاته في أفق الانتماء الحضاري،فكان يفتح قلبه ليستوعب كل الناس من حوله وهذا كله يأتي مصهوراً في بوتقة التجربة الإنسانية التي تخرج كل ذلك بخلفية أدبية، إذ اتجه في تسعينيات القرن الماضي إلى الرواية والكتابة التلفزيونية فأنجز عدداً من الأعمال الدرامية منها: “هوىبحري، الطويبي، طيورالشوك، نزارقباني، أسمهان، كليوباترا، بستان الموت، ليل المسافرين، الرسالة الأخيرة، وغيرها من الأعمال، كما حوّل عدة روايات عالمية إلى أعمال فنية منها”بيت الأرواح”، لإيزابيل أليندي, و”البؤساء” لفيكتور هيجو, أنجزها بالتعاون مع مخرجين لهم بصمتهم الإخراجية المتميزة، كما أنجز أعمال روائية سينمائية منها: “بستان الموت، وأنت جريح”مع المخرج ناجي طعمي وفيلم قصير بعنوان: “الشهيد الحي” بتوقيع المخرجة سهير سرميني، وفي مجال الرواية كتب “هوى بحري، البريد التائه” ورواية أخرى بعنوان: “لحظة رحيل” لم يمهله القدر ليراها منجزة.
كان الكاتب الراحل مؤمناً بجيل الشباب ومنفتحاً في الحوار معهم سواء اختلف مع أفكارهم أم اتفق مؤكداً مسؤوليته أن يوجه بوصلتهم بما يخدم منجزهم الثقافي والأدبي، منطلقاً من فكرة أن لكل جيل إنجازاته وأن شبابنا قدموا ألواناً جديدة وتركوا بصمات جيدة،وكتابات بعضها جيد وبعضها ضعيف،وكثيراً ما كان يوجه نصيحة للشباب ألا يستعجلوا الوصول لمبتغاهم، وأن يحدثوا في منجزهم الإبداعي فرقاً واضحاً وتميزاً جميلاً، وأن يستفيدوا من أدواتهم ويحسنوا استخدامها لتنقلهم من حالة التلقي والتقليد إلى حالة الابتكار والإبداع”.
هي الحياة لاتصفو مشاربها لأحد فبعد مغالبة طويلة مع المرض توقف قلب الأديب قمر الزمان علوش عن النبض رفع أشرعته باتجاه مغاير لاتجاهات أهله ومحبيه بعد ان ودعهم بكلمات مؤثرة دوّنها على صفحته الزرقاء وكأنه يعرف أنه راحل حيث كتب: راجع من صوب الموت حقاً، أقولها وأنا أحس ببعض الغرابة.. كيف بدأت الرحلة لا أذكر، ولا أعرف ما إذا كان ينتظرني هناك، ويضيف: من خلال تجربتي الصغيرة أو إن شئتم هلوساتي اللاهية أظن أن نهاية الرحلة كلها كانت كما السقوط في العدم السحيق الذي لاعودة منه، لجة من العماء بلا بداية ولا نهاية نتطاير فيها بحثاً عن نور قادم، لكنه الدم اللذيذ الذي لايخيف، ولعل كلمات الشاعر أمير سماوي التي خاطب بها أديبنا الراحل بأن “الموت هو قيامة الروح حرة من سجنها الجسدي”تعبّر أصدق تعبير عن حالة الموت الذي يحكمه قانون الحياة وصيرورتها، لكنه رحيلا لجسد وبقاء الروح نبتة خضراء مورقة في أجيال تمثلا لامتداد لرسالتهم وتجربتهم.