نذير نبعة وليلى نصير في غاليري كامل.. المرأة رؤى متقابلة
أكسم طلاع
تُعرض حالياً في صالة جورج كامل بدمشق لوحات للفنانين نذير نبعة وليلى نصير، بمناسبة الأيام التشكيلية السورية التي يُحسب فيها هذا المعرض الأيقونة قياساً لبقية المعارض التي تضمنتها الاحتفالية، فمن النادر أن تُعرض أعمال بهذا العدد وتحمل تيمة واحدة: “المرأة رؤى متقابلة”.
في تجربة نبعة ونصير تصدّرت المرأة عنوان التجربة/ العرض، وكانت هي العنصر الأساس في كلّ منهما، كما لا تخضع أي تجربة للمقارنة بالأخرى، وذلك لأهمية كلّ منهما، وخاصة على مستوى أهمية التجربة وسعتها التعبيرية، إذ يمكن الاعتراف في هذا المقام بتقارب الحال الإنساني الإبداعي فيما بينهما، فقد درسا الفن في جمهورية مصر العربية وتأسّسا في محترفات كليات الفنون هناك، وتابعا رحلة الشغف المبدع في الوطن وأسّسا لمرحلة جديدة في الفن السوري مع آخرين، تعدّ من المراحل الذهبية للفن التشكيلي السوري.
تحتلّ أعمال نذير نبعة موقعاً متقدماً في حصيلة الفن التشكيلي السوري والعربي، فمنذ البدايات عمل على قضايا الإنسان ونضاله في الحياة في سبيل حياة كريمة وبناءة، وقد اشتغل مشروع تخرجه عن عمال المقالع والكادحين، وتفوّق في دفعته من الخريجين، كما تأثر لاحقاً بالمكان الذي يعيش فيه، وكانت دمشق ودير الزور.. وغيرهما، وقد وصل الأمرُ إلى تنوع الاشتغال التقني واللوني عنده حسب البيئة ومواضيعها التي يعايش، إذ تعتبر مرحلة الدمشقيات من أهم الأعمال لجهة البذخ اللوني والسحري العاطفي على مستوى الموضوع والتقانة الحاملة هذه المرحلة التي ارتقت مؤخراً إلى التصوير التجريدي في مرحلة لاحقة سُمّيت بالتجليات، والتي قدّمها في آخر حياته وأحدثت نقلة نوعية في سيرة لوحة نبعة الرائجة بدمشقياتها الساحرة، ولا نغفل مراحل سابقة عليها قبل سبعينيات القرن الماضي، وخاصة تلك الأعمال الهادفة والمعبّأة بالموقف السياسي والنضالي حين عمل رساماً ومناضلاً في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، ونجد مجموعة من الأعمال الغرافيكية المهمّة التي توثق لمرحلة من النضال الفلسطيني في ذروة انطلاقة الكفاح المسلح.
اشتملَ المعرضُ على مجموعة واسعة من أعمال نبعة التي تعود لمراحل مختلفة من تجربته، وتغطي بعضاً من سيرة هذا المبدع الذي أغنى الحياة التشكيلية السورية وأثر فيها، كما يغطي المعرض فترة متألقة من تاريخ التشكيل السوري، خاصة وأن ليلى نصير تعدّ الآن من أهم التجارب النسوية العربية، والمراجع لأعمالها منذ البدايات إلى الآن سيقف أمام عالم غريب تعيشه المرأة الرسامة الحاذقة في ترويض الخوف!. فمجموع اللوحات التي نفذتها على الخشب أو القماش أو تلك الدراسات لن تخرج عن شأنها الإنساني الهادف إلى معالجة فكرة الخوف والترقب بعيون مفتوحة على صمت مريب، أعمال لم تكن حيادية أمام مستقبل ينتظر العائلة والأم والمرأة عموماً، إنها ليلى نصير بسيرتها التي عاشت غير بعيدة عن هواجسها المرسومة، وهاهي اليوم في نهايات العمر تنام على سرير العجز في دار للمسنين في اللاذقية، لا عزاء لها إلا هذا التاريخ الحافل بالفن الحقيقي الملتزم بالإنسان والمرأة خصوصاً، ونسألُ هنا: من هذه المرأة التي ترسم العميق فينا بأقلام الرصاص وبالقليل من ألوان الباستيل؟ ولماذا تصرّ على إكساء هذا الجدار الأبيض بلوحاتها، ربما أن هناك ما يستحق الرسم لهذه الحياة.
المعرض مستمر لنهاية هذا الشهر، وهو فرصة طيبة للاطلاع على نفائس الفن التشكيلي السوري، لذلك أسلفنا أنه يعدّ أيقونة المعارض المقامة حالياً ضمن احتفالية الفن التشكيلي، وقد لفت اهتمام المتابعين عبر قنوات التواصل وأدوات الميديا وعبر منصة الصالة خارج سورية وداخلها لأهميته.