إدارة “الغاب” الغائبة..!
علي بلال قاسم
عندما “يجف ريق” المجتمع المحلي من كثرة الحديث والشكوى حول قلة أو انعدام مياه الري في منطقة زراعية غنية كسهل الغاب، لا يكون الكلام مجرد مطلب “ع الماشي”، بقدر ما هو اختزال للحال المزمن من المعاناة المكرورة على مدار السنوات والعقود، دون أدنى تفكير وتخطيط وتنفيذ استراتيجي يغير من السهل الذي لطالما كان عبارة عن مستنقعات حولتها اليد الوطنية إلى واحة لا تختلف كثيراً عن “هولندا” لا بالمساحة وبالغنى وبالأهمية عن هذه الدولة التي تنافس العالم بثرواتها الزراعية والحيوانية.
في هذا الموقع المعطاء، كل المكونات الطبيعية جاهزة للإنتاج الزراعي والحيواني، من خصوبة تربة وموارد مائية، إلا أن كل المحفزات غائبة، وعلى رأسها سوء وانعدام الإدارة البشرية الحاملة للاستثمار الحقيقي، الذي يجعل من البقعة المأمولة “رحماً” للغذاء النباتي والحيواني، حيث تستمر وتتوالى حالة التأزيم لمنطقة تنهال عليها تدفقات المياه في فصل الشتاء إما بالهطول أو السيول، لتغمر الجزء الأعظمي من المساحات الزراعية بأهم المحاصيل الأساسية والاستراتيجية: قمحاً وشعيراً وشوندراً وخضاراً، في وقت يصبح الماء عزيزاً في فصل الصيف ومن الصعوبة بمكان تأمين حدود الكفاية لمزروعات لا تسلم من الجفاف ولا الجوائح والأمراض وما كثر وزاد من الإصابات وموجات المناخ واعتداءات الطبيعة التي لا مجال إلا لتقبلها لأنها خارج الإرادة، ولكن الغصة في عدم وجود إدارة بشرية تحصن وتحمي وتؤمن المطلوب لـ “الغاب” الذي غاب عن أولويات هذا المسؤول أو ذاك!
أمام ارتكاب من هذا النوع بحق هذا السهل واحتياجاته المائية في فترات السقاية الربيعية والصيفية حسب العروات والأصناف المزروعة، لا يمكن سوى استذكار ما يحصل عند الإقليم الساحلي، ذاك الجار الذي يتقاسم الشكوى مع الغاب في حصاد المياه وقطافها كمشروعين كثر الحديث عنهما في وزارة الموارد المائية خلال السنوات السابقة، بالتالي يعيد جميع من يخصه الأمر، من مواطنين ومزارعين، عبارة تلك العجوز التي رفعت الصوت بوجه المسؤول يوماً ما، ولم يتغير شيء إلى الآن!
يدرك جميع صناع القرار أن الغاب ينشد الماء الذي يتطلب تركيزاً على إنشاء السدود، فلمن لا يعلم: لا سدود في الغاب، ولا استثمارا مقنعا في المياه، رغم أن ملايين الأمتار المكعبة من المياه تذهب هدراً على شكل طوفانات تدمر المساحات المزروعة كل عام.
الكل يعترف، من وزارة الموارد المائية إلى هيئة الموارد المائية، بأن الغاب بلا سدود، والدليل أن هناك 8 سدود قيد التنفيذ لا يوجد للسهل الخصيب أي حصة فيها، فمن ينقذ الغاب من عجزه وحاجته للسدود، إذا لم “تفعلها” الموارد المائية، وتضع هذه المنطقة في الأولوية رقم واحد.. هذا ما يرمي إليه آلاف المزارعين وملايين المستهلكين ممن ينتظرون خير “هولندا سورية”!