الشاعر العماني هلال بن سالم السيابي: فلتغفري لي يا دمشق غيابي
أمينة عباس
عاد إلى دمشق، محمّلاً بالشوق والحنين لأكثر من عشر سنوات كان قد أمضاها سفيراً لبلده في سورية، حاملاً معه قصيدته “يا شآم” التي أطلقها لأول مرة في الندوة الشعرية التي أقامها اتحاد الكتّاب العرب مؤخراً تحت عنوان “أطياب عمانية تتضوع في دمشق”، وفيها بدأ الشاعر هلال بن سالم السيابي كلامه قائلاً إن الحديث عن الشعر يتألق في بلاد أبو تمام والمتنبي والبحتري والمعري وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة ونزار قباني الذين تتلمذ الشعراء على شعرهم، موضحاً أنه ما إن وجّهت له دعوة للقدوم إلى سورية حتى بدأ بنظم قصيدة “يا شآم”، وقد أبى إلا أن يطّلع أهلها عليها أولاً، وفيها تحدث عن ذكرياته في دمشق، متطرقاً إلى تاريخها العريق وما تعرّضت له مؤخراً:
“ملأتُ من بردى يراعتي فعرفتُ معنى الزهو والإعجابِ
فإذا أتيت فإنني بك مغرم صبّ وليس بسائح جوّابِ
أو غبتُ عنك فأنتِ بين جوانحي فلتغفري لي يا دمشق غيابي”.
كما اختار السيابي أبياتاً أخرى له عن دمشق من قصيدة سابقة حملت عنوان “يا دمشق”:
“دمشق شمسك لم تأفل ولم تغبِ وكيف تأفل عين الماس والذهبِ
ما زلتِ في حاضر الدنيا منورة كمثل ما كنتِ دوماً ساحة الشهبِ
هذه السماوات وما زالت كواكبها ترنو إلى بردى للعلم والأدبِ
فالأبجدية بعض من منابتها فافخر بحمص أو الفيحاء أو حلبِ”
وفي أبيات أخرى يخاطبها قائلاً:
أدمشق يا قلب العروبة ما الذي يبغي بك الأعراب والأعجام
إن الحسام وإن تقادم عهده سيظل رغم الدهر وهو حسام
فيحاء يا بنت العروبة تحية مني ومن ربّ العلى الإكرام
لا تحفلي بالمعتدين فكلهم والله في يوم اللقى أغنام
لا يثبتون أمام صبرك لحظة إلا إذا لم تسعف الأقدام.
رسالة حب وعتب
وألقى السيابي أيضاً أبياتاً من قصيدة كتبها معاتباً بغداد، بعد مأساة غزو الكويت، موضحاً أنه لم يندّد بالمعتدي ويقسو في توبيخه، كما فعل الذين ندّدوا، خشية أن يعمّق الجرح ويزيد محنة الانقسام، بل كتب رسالة حب وعتب إلى بغداد يذكّرها فيها بوحدة المصير والدم:
دمك الطهور دمي وروحك مهجتي لولا الجنوح إلى الحسود اللاحي
يا آمنة المنصور أي جريرة شوهاء بين عشية وصباح
فبدا حسامك في فؤادي غائراً وسطا قناك بمعطفي ووشاحي
فاستدركي بغداد إن لنا غداً سيضمّنا روحاً إلى أرواح.
دمشق روح وجنات وريحان
وفي تصريح لـ “البعث”، أكد الشاعر هلال بن سالم السيابي أن دمشق تعني له الكثير، فهي قلب العروبة النابض، وجزء كبير من شعره كان لها، وقد كتب لها أكثر من قصيدة، مردّداً دوماً ما قاله الشاعر أحمد شوقي: “آمنت بالله واستثنيت جنته.. دمشق روح وجنات وريحان”، مبيناً أنه ما زال يؤمن أن الشعر ديوان العرب، وأن العرب لن تتركه ما دامت قائمتها قائمة.
زمن الشعر
ورداً على من يقول إن زمن الشعر ولّى، نوّه السيابي بأن عُمان كباقي البلدان العربية ينبتُ فيها في كلّ يوم شاعر، وختم بالتأكيد على أن الثقافة تحمل ثوابت الأمة، وهي تجمعنا على الثوابت القومية والوطنية والأسرية، وأنه يتمثل دوماً قول أحمد شوقي “نحن في الفقه بالديار سواء.. كلنا خائف على أوطانه”.
علَمٌ من أعلام الشعر
وأشار الشاعر د. جهاد بكفلوني، الذي أدار الندوة الشعرية، إلى أنه إذا أردنا أن نشمّ عرار نجد، وأن نتذكر جدنا امرؤ القيس، فما علينا إلا أن نعود إلى شعر الشاعر هلال بن سالم السيابي، حيث البيان المشرق واللغة الناصعة والصور التي لا تنفصل عن عراقة شعرنا العربي، ويلتقط القارئ في قصائده النفس الذي يذكّرنا بشعراء العصر الجاهلي بلغة تحمل من الحداثة ما تحمل وتمزج بين القديم والجديد، موضحاً أنه قرأ ديوانه “أصداء من وادي عبقر”، بأجزائه الأربعة، وما زال يرنّ في أذنه ما نظمه السيابي عن دمشق وحبه الكبير لها، وهو وإن فارقها لكنها بقيت مقيمة في داخله معبّراً عن محبته لها بشكل دائم. ورأى بكفلوني أن السيابي علَم من أعلام الشعر العربي، يحبّ العروبة وسورية التي خصّها بعيون شعره قبل وبعد الحرب عليها، ويُحسب له أنه جهر بموقفه عندما كان الجهر بحب دمشق يكلف الآخرين الكثير.
وبيّن د. جورج جبور أن أبرز ما يميّز شعر السيابي مشاعره الوطنية والإنسانية والعربية التي ينثرها في شعره، وأهم ما في قصيدته “يا شآم” أنه تطرق فيها إلى المطبّعين.
ربيع الحمراء
كما ألقى البرلماني والإعلامي والشاعر سالم بن محمد العبيري، الذي رافق السيابي في زيارته لسورية، أبياتاً من قصيدة له بعنوان “ربيع الحمراء” قال فيها:
طاب ليل قد قضيناه معاً في رحال الحبل وقت السمر
ننسج الحلم ونعتدّ به من خيال حالم مقتدر
قد صحبنا البدر في رحلته مذ صافح الحوراء عند المظهر
يا مرحباً بالكوكبين
وكان مدير الندوة د. بكفلوني قد رحّب على طريقته بالشاعرين السيابي والعبيري من خلال الشعر الذي كتبه قائلاً:
يا مرحباً بالكوكبين
مرحى لأيك الشعر يحضن بلبله
يشكو بعودته الصبابة والوله
يخشى الفراق ملوحاً بنيوبه
يا ليته يبقى وينهي المسألة
وافى هلالُ الشعر بدراً مشرقاً
سبحان من بالفكر ثراً كمله