ثقافة

يوميات معلقة على الجدار

أكسم طلاع

يواظب الفنان السبعيني جمال العباس على حضوره التشكيلي الدائم، بسعي المحب للحياة والجمال، مثله مثل من يلتقط حبات الضوء من عتمة الأرض. هذا الفنان المحب والودود أبداً، لا يقلقه أن يشارك محبيه على الأقل في تفاصيل حواسه وإن كانت شاردة هناك على ورقة، أو قطعة من الكرتون الأبيض خط عليها رسم الطفل الشيخ الذي أنهكته الأسفار في الحلم، والرجوع إلى المودات والأصدقاء علّها تحمل ما تبقى من أمل في هذه الحياة وتمنح الناس بهجة الفن ودهشته.
اللقاء الأخير مع الفنان كان منذ أيام من خلال معرضه الجديد الذي افتتح في صالة لؤي كيالي للفنون الجميلة في الرواق العربي، ورافق المعرض ندوة تعريفية بمسيرة الفنان العباس الطويلة التي تنوعت في الرسم ومشاغل الفن التشكيلي من كتابات نقدية وأفكار في اللوحة، نشرها الفنان عبر صفحات الصحف المحلية، حيث كتب عن تجارب زملائه الفنانين وتوجهاتهم الفنية والطموح منها، مستنداً إلى معايشته للكثير من التجارب وبالأخص المواهب التشكيلية في محافظة السويداء، حيث تتميز هذه المحافظة باستمرارية النشاطات التشكيلية خارج المواسم والمناسبات، وصولاً إلى حال ثقافي يعيشه أهلنا في السويداء من احتفال بالفن والثقافة والجمال.
بالعودة إلى المعرض لابد من التنويه بأن ما عرضه الفنان لم يكن لوحات بالمعنى التقليدي للمعرض، بل مجموعة واسعة من الموتيفات في الفكرة والتنفيذ تقارب اليوميات التي يعيشها أي فنان بالمستوى العملي في محترفه، أو وقت الراحة أو في حالات التأمل أو حلم اليقظة المتوفر على دفتر اليوميات، والبطاقات التي تقع عليها اليد بمصادفة الحاجة والوظيفة والعاطفة.
لا يتردد الفنان عبر إلحاحه بالمودة، على الحضور والمشاركة في نشاط يقارب المعرض الفردي الذي يحتاج إلى الكثير من التحضير والإمكانيات المادية اللازمة لإقامته، وبالفعل قدّم لنا ما في قلبه الجميل بكل بساطة من خلال ما رسمه على أوراق بيضاء مغلّفة بحافظات النايلون المعلقة على جدران الصالة.
من حيث الشكل لا يمكن أن يكون هذا معرض لفنان قضى جل حياته في إنتاج اللوحة، فالموجود من الصعب أن يقنع الزائر الذي لا يعرف من هو جمال العباس، لأن اللوحة بالمعنى التقليدي أكثر لياقة بالتعبير عن سواها من البطاقات المغلفة والمعلقة في بساطة شديدة.. ربما هناك ما يعذر العباس ونحن نعرف أنه يستطيع، لكن زملاءه في اتحاد الفنانين- فرع دمشق لديهم من الإصرار ما يكفي لاستقدام الفنان جمال العباس ليكون ضيفهم في صالة لؤي كيالي، وليكونوا هم ورواد المكان ضيوفاً ولأيام المعرض عند فنان يملك من روعة الحلم التي يدفع في الحياة الأمل، وإن كانت الفكرة أضحت متعبة ويخطو بها كهل، لكن الحياة تستحق، وما يفعله الفنان هو أن يجعل المساء في أيلول ممكناً وجميلاً.