ثقافة

إنسانية ملغومة

غضب يعم أرجاء العالم، مسيرات تحتج على إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، تجمعات سياسية ومؤتمرات إقليمية ودولية، كلها معلومات أضحى الجميع يعرفها ويتابع أخبارها يومياً عبر شاشات التلفاز وتحديداً يوم الجمعة الذي منذ إعلان القرار وفلسطين بالذات تشهد احتجاجات عارمة والجيش الإسرائيلي على أهبة الاستعداد لتنفيذ كل أنواع الإجرام ضدهم، أغلب القنوات تنقل ما يحدث أو على الأقل إن كنت متابعاً ستعرف أين تجد ضالتك، بعض القنوات استكملت دورتها البرامجية كالمعتاد دون حدوث طارئ عليها، وإحدى المحطات الفضائية كانت تعرض فيلماً جميلاً يتحدث بإنسانية كبيرة عن عائلة ألمانية كانت تعيش في زمن هتلر، أي الحرب العالمية الثانية، وطبعاً أكثر ما يميز هذه الحرب من خلال الفيلم تسليط الضوء على مآسي اليهود.
فيلم “سارقة الكتب” ارتأت محطة “دبي ون” أن تعرضه تزامناً مع الاحتجاجات التي تجري في الأقصى، أرادت ربما متعمدة أن تضيء لنا وجهة نظر أخرى لا نعرفها!، أو من شدة سوداويتنا أرادات أن تسلط الضوء على حجم الأسى والحزن الذي يرافق الشعب اليهودي وعن حجم المعاناة التي لحقت به!، هذا الفيلم المغزول بمهارة ورهافة حس يتحدث عن الإنسان بأحواله المدهشة، “ليزل” الطفلة الصغيرة الآسرة التي فقدت أخاها في الطفولة ليتبناها “هانز” العجوز بروحه الطفولية وظله الخفيف وقلبه الغض وأكورديونه الساحر، وزوجته روزا المتذمرة دوماً والتي لا يعرف جمال روحها إلا هانز.
يتطرق الفيلم إلى نازية الأفكار والتصرفات، الحرب العالمية الثانية والقنابل تنهال على القرى الآمنة بلا تمييز، هتلر وجنوده يعيثون في الأرض، الشيوعيون الكفرة وإحراق كتبهم، اليهود الخونة حسب رأي النازية، وهنا يظهر ماكس اليهودي الهارب من بطش النازية لتؤويه هذه العائلة الصغيرة، فتنشأ علاقة جميلة بين ليزل والشاب الهارب، يشهد الفيلم حوارات تتميز بالبلاغة وقوة تأثير لتظهر نقاء الإنسان المؤمن بدينه الذي يدعو لسمو النفس البشرية، في أحد مشاهد الفيلم يعطي ماكس كتاباً أبيض الصفحات هو كل ما يملكه هدية لليزل في عيد الميلاد يقول لها: “اكتبي، في ديني، نحن نعلم بأن كل شيء حي، كل ورقة وكل طير، هي على قيد الحياة بفضل الخالق، هذا هو الفارق الوحيد بيننا وقطعة الطين مجرد كلمة، الكلمات هي الحياة يا ليزل، كل هذه الصفحات الفارغة؟ عليك ملؤها بالكتابة”. الغرض من الفيلم محاولة الضغط على المشاهد لإخراج ما يملكه من مشاعر للتعاطف مع الوضع الذي فرض على هذا العرق، يضع المشاهد في مأزق إنساني لا يمكن إلا الرضوخ للإنسانية التي ستسمو فوق أي شيء، ويتصاعد مع موسيقى تدعوك للتوتر إزاء الأحداث التي تعيشها الأسرة وخاصة عندما يأتي ضابط في حملة تفتيشية للبيوت تمضي بسلام دون كشف المستور، وهنا يحرص المخرج على إظهار ماكس في مظهر البطل عندما قرر الرحيل ليحمي الأسرة وتمر البلاد بظروف عصيبة إلى أن تقرر الولايات المتحدة أن تدخل الحرب لتنهي النازية، مما أتاح الفرصة لعودة ماكس ولقائه بليزل.
على المقلب الآخر لم تجد مندوبة كوبا حرجاً من إبداء رأيها حول ما يحصل واعتبرته نوعاً من السيرك السياسي ففي اجتماع اليونسكو طلب مندوب دولة الاحتلال دقيقة صمت “لقتلى المحرقة” وهو مخالف للبرتوكول وسكت جميع من في القاعة إلا امرأة هي مندوبة دولة كوبا التي بكت مما رأت وأعربت عن مداخلة الإسرائيلي بأنها مجحفة وغير مقبولة، وهذا النوع من المداخلات التي يقوم بها ممثل الكيان الصهيوني شاهدناه من قبل ككومة من القمامة التي تحمل تاريخاً مزوراً ومكتوباً بطريقة غير لائقة، ونادت بدقيقة صمت لضحايا فلسطين الذين قتلوا طوال السنوات الماضية، فعل عجزت عنه جميع الأنظمة العربية واستجاب لها كل من في القاعة ضمن موجة تصفيق.

علا أحمد