ثقافة

“المنور” نافذة على الحرب والذات

رجل وامرأة يعيشان في قرن افتراضي ويتوجهان إلى المشاهد ليخبراه عن نتيجة بحثٍ يعيدان من خلاله سرد أحداث قصة وقعت في مدريد بعد الحرب الأهليّة. أما عن القصة التي يستعيدها هذان الزوجان ويقومان بسردها على الجمهور الذي يحضر عرضهما، فهي قصة أخوين: بيثينتي وماريو؛ تفرقا بسبب الحرب، وبعد عدة سنوات، أحدهما يتمكن من الوصول إلى مركز اجتماعي مهم، في حين أن الآخر يعيش وضعاً بائساً مع أبيه المريض عقلياً وأمه غير السعيدة. تتشابك أحداث المسرحية ويقع الاثنان في حب شابة تدعى إنكارنا التي تقيم علاقة مع بيثينتي ولكنها في الحقيقة تحبّ ماريو.
هذه الرغبة في عرض الكائن الإنساني وقيوده المؤلمة، وتوقه إلى الحرية، وبحثه الدائم عن السعادة، هي من أهم السمات التي ينزع إليها مسرح الكاتب الإسباني أنطونيو بويرو باييخو والتي يقدمها لنا المترجمان أنطونيو مارتينيز كاسترو وجعفر محمد العلوني من خلال مسرحية “المنور” الصادرة حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب ضمن الخطة الوطنية للترجمة.
المسرحية، التي تترجم للمرة الأولى إلى العربية، يقدمها كاتبها في إجابة على العديد من الأسئلة الوجودية التي يعيشها أبطال العمل الدرامي. لذلك سنرى الكاتب يواجه التراجيديا الإنسانية تارةً من جهة وجودية؛ -عاكساً تأملاته حول الحالة الإنسانية، بما فيها من آمالٍ وإحباطات- وتارةً أخرى من جهة اجتماعية، رافضاً في هذا المظالم بالمعنى الأخلاقي والسيّاسي. وعلى الرغم من أن الكاتب يعوّل في مسرحياته على التقنيات الواقعية، إلا أنّ المسرحية في الوقت نفسه، مليئة بالمعاني الرمزية؛ وحالة الأب المريض هي أحد هذه الرموز الجوهرية -إضافة إلى الكثير من العيوب الجسدية والنفسية- التي- وكما يقول الكاتب نفسه- تمثّل قيود الحالة الإنسانية.
يقول المترجم أنطونيو مارتينيز كاسترو، وهو رئيس قسم اللغة العربية في مدرسة اللغات في مدينة ألمرية: إن مسرحيّة “المنور” هي من أوائل المسرحيات التي تعالج موضوع الحرب الأهلية الإسبانية بالرغم من البعد الزمني، إذ إن المسرحية عُرضت للمرة الأولى في منتصف الستينيات من القرن المنصرم، وهاهي الهيئة العامة السورية للكتاب تقدم ترجمتها إلى القارئ العربي لأول مرة، إذ يوجد في المسرحية معان شاملة صالحة لأي زمانٍ ومكان، تتيح لنا تشخيص موقف الإنسان أمام المصاعب. لذلك لابدّ من فهم المسرحية فيما يتجاوز حدود الفرد، ليحل محلها رمزية أخلاقية وسياسية عامة تنطبق على الواقع المرير الراهن: من ركب القطار ومن فاته الركوب. وإذا ما أردنا أن نطبق هذه اللعبة الوجودية على ما يحدث اليوم في سورية، تظهر المسرحية بمثابة القطار الذي أخذته الدولة السورية لضرب وحشية الإرهاب، وبالتالي، من ركب القطار ومن لم يركبه”.
أما المترجم جعفر العلوني فيقول: في الحقيقة نحن أمام مسرح أخلاقي حيث الصراع الجوهري هو بحث الإنسان عن الحقيقة، هذه الحقيقة القاسية التي لا يمكن تقبلها بأي شكلٍ من الأشكال. والحقيقة هي الجريمة التي يرتكبها بيثينتي، أحد أبطال المسرحية، في الماضي القريب. وهي المحرك الرئيسي لأبطال المسرحية، وكأن الكاتب يعيدنا بذلك إلى قصة قابيل وهابيل والجريمة، الحقيقة الأولى لكل شيء. وكما هو الحال في قصة قابيل وهابيل، فإن مصير شخصيات العمل لا يرتبط بعوامل خارجة عن الطبيعة، كما أنه لا يرتبط بالإله نفسه، وإنما يرتبط بأفعال الإنسان وقدرته على ارتكاب الحماقات على الأرض.
تقع مسرحية «المنور» في 208 صفحات من القطع المتوسط، من إصدارات الهيئة العامة السورية للكتاب ضمن المشروع الوطني للترجمة للعام 2017.‏
جمان بركات