ثقافةصحيفة البعث

هل انتهى الزمن الجميل للأغنية؟

أمينة عباس

“هل انتهى الزمن الجميل للأغنية؟”.. سؤال طرحته الإعلامية فاتن دعبول مديرة ندوة “شام والقلم” التي عُقدت مؤخراً في المركز الثقافي (أبو رمانة) للحديث عن الأغنية السورية وواقعها بمشاركة المايسترو نزيه أسعد، مشيرة في تصريح لـ “البعث” إلى أن هذا السؤال يتردّد على لسان الأغلبية للتأكيد على أن هذا الزمن الجميل في الفن قد انتهى. وبيّنت دعبول أن الأغنية العربية تعيش هذه الأيام حالة من فقدان الهوية، إلا القليل النادر منها الذي ما زال يناضل من أجل تقديم كلّ ما هو أصيل، مؤكدة أن حال الأغنية يُرثى له، وهي التي سقطت في ركاكة التعبير وسذاجة المعنى، وغرّدت خارج سرب وجدان الإنسان العربي وبيئته، وما زاد الوضع تعقيداً إعراض الشعراء الحقيقيين وأصحاب المواهب الشعرية الأصيلة عن النص الغنائي الجيد، ما فتح الباب لكلّ حامل قلم لأن يصبح شاعراً غنائياً يملأ الفراغ بكلام يخلو من روح الشعر. من هنا دعت دعبول في الندوة إلى إنقاذ الأغنية العربية من فقدان الهوية والسعي لدعم الفنانين الذين يؤمنون بالدور الحضاري لها.

مقومات الأغنية الجيدة

وللإجابة عن سؤال “هل انتهى الزمن الجميل للأغنية؟”، أوضح نزيه أسعد أن مصطلح الزمن الجميل لا يرتبط فقط بمسألة الكلمة واللحن والأداء الغنائي والموسيقي، بل بما يحيط بالأغنية وبالذات البشرية نفسها، والذات الجميلة برأيه ليست مرتبطة فقط بالستينيات والقرن الماضي، فالزمن الجميل موجود في داخلنا حتى هذه اللحظة، وما زال هناك من يتذوّق كل ما هو جميل، وهم قادرون على التمييز على صعيد الموسيقا والغناء، مبيناً أن مقومات الجمال في الأغنية ثلاثة، أولها الكلمة المؤثرة والنافذة للذات البشرية، وذكاء الشاعر الغنائي يتجسّد حين يعبّر بكلماته عن حالة معينة تخصّ الذات الإنسانية، ثم يأتي ملحن ليلوّن الكلمات بألوان صوتية تناسب ما كتبه الشاعر، ثم يأتي المغني ليؤدي ما يوكل إليه من مهمة من خلال ترجمة ما كتبه الشاعر ولحّنه الملحن صوتياً، وبالتالي فإن تضافر هذه المقومات مع بعضها يحقق النجاح للأغنية، برأي أسعد، مع إشارته إلى الدور الأساسي الذي يلعبه التوزيع الموسيقي، مؤكداً أننا في سورية نفتقد في الوقت الحالي لهذه المكونات في الأغنية، وبالتالي علينا أن نسارع لمعالجة هذا الخلل من خلال الأكاديميات الموسيقية كالمعهد العالي للموسيقا ودار الأوبرا والمراكز الثقافية ووزارة الثقافة ووزارة الإعلام بالدرجة الأولى من خلال متابعة ما يُبثّ في القنوات التلفزيونية التي يجب أن تقدم برامج تلفزيونية وإذاعية بشكل مكرّر تحتفي بالأغنية الجيدة حتى ترسخ في أذهان الجمهور، وخاصة الجيل الحالي، بالإضافة إلى ضرورة وجود موقع رسمي يعمل على إصدار هذه الأغنيات بشكل دائم حتى تنتشر وتُسمع، فتكرار هذه الأغاني سيساهم في انتشارها، والدليل أن الميديا رسّخت أغاني معينة بالطريقة نفسها، ونجحت في نشر الأغاني الهابطة ليس في سورية فقط بل في العالم، مع محاولات الاعتداء على تراثنا الغنائي من خلال إدخال مفردات لا تمتّ لهذا التراث بصلة، وهي مفردات معاصرة مبتذلة ومرفوضة.

الانحدار

ورأى أسعد أن هناك ثغرات عديدة ساهمت في انحدار الأغنية، في مقدمتها توفر المال، وبالتالي أصبح أي مطرب يمتلك المال يستطيع اليوم أن يغنّي في المحطات وعبر الميديا التي أصبحت في متناول الجميع، وهذا المرض موجود في كلّ الدول العربية، مذكّراً بما كانت عليه الأمور على صعيد تقاليد الغناء في الماضي، حيث تمّ في العام 1932 إلزام الغناء وفق بروتوكول ونظام داخلي معيّن استمر العمل به منذ ذلك العام، وهي الفترة التي أثمرت ظهور محمد عبد الوهاب وأم كلثوم ومحمد فوزي وكارم محمود وغيرهم، مبيناً أن هذا النظام ظلّ متبعاً حتى العام 1980 حيث تمّ اختراقه ليبدأ الانحدار منذ منتصف الثمانينيات، ومن خلال ذلك يتضح أن الاستراتيجيات التي تمّ الاتفاق عليها من قبل الموسيقيين والباحثين والمعنيين في البلاد العربية، ووضع نظام داخلي وقوانين تضبط الواقع الغنائي، قد ساهم في ضبط الأغنية العربية، وما إن تمّ التخلي عنها حتى سادت الفوضى في الساحة الغنائية.

مواهب مدفونة 

وتطرق أسعد في حديثه أيضاً إلى المسابقات والبرامج التي كانت موجودة في فترة من الفترات كوسيلة للوصول إلى المطرب الذي يمتلك أدواته والقادر على تقديم أغنية ناجحة، والتي بيّنت أننا نمتلك طاقات وإمكانيات كبيرة بين شبابنا وشاباتنا، مبيناً من خلال وجوده في لجان تحكيم في مسابقات منظمة الطلائع والشبيبة والمعهد العالي للموسيقا أن 70% من المواهب الغنائية والموسيقية والشعرية ما زالت مدفونة، وإن كان المعهد العالي للموسيقا يقوم بدوره على هذا الصعيد إلا أن تقديم برامج تلفزيونية تحتضن المواهب وسيلة مهمة، برأي أسعد، لتشجيعهم، شرط أن تدعمها مؤسّسات منتجة لأنها برامج تحتاج لتمويل كبير لتحقيق النجاح: “هناك برامج عربية توفرت فيها هذه الشروط وقدّمت مواهب أصبحت نجوماً في الوقت الحالي، في حين أن أغلب البرامج التي قُدّمت في سورية كان الإنتاج فيها ضعيفاً مما أثر على مستواها وتأثيره”. أما وجود استراتيجية عربية ترسم رؤى وأهدافاً من أجل صناعة الأغنية لاستبعاد الأغنية الهابطة، فبرأي أسعد لن يتحقق إلا بتحقيق استراتيجية في الوحدة العربية، ودون ذلك لن يتحقق شيء.

أمر غير مقبول 

لا يختلف اثنان على طغيان الأغنية الشعبية، ليس في سورية وإنما في الوطن العربي، ووفق ما توصل إليه أسعد من خلال استبيان قام به أن انسجام الجمهور معها ناتج عن رغبة منه في تفريغ الطاقة، وهؤلاء يشكلون 70% من الجمهور الذي أكد في الوقت ذاته أنه يستمع كذلك للمطربين الكبار إلى جانب هذه الأغنيات البسيطة التي تمنح طاقة جديدة، وتكون وسيلة من وسائل نسيان الواقع لأن الاستماع لقصيدة لأحد الشعراء الكبار برأيهم تجعلهم يدخلون في منحى التفسير والفلسفة والكآبة والحزن، مشيراً إلى أنّ ما يُقَدّم اليوم من أغانٍ على صعيد اللحن والكلمة لمواكبة عصر السرعة أمر غير مقبول، وهو لا يجيز الابتذال وما وصلت إليه الأغنية من انحدار، خاصة وأن الإمكانية متاحة لتقديم ما هو راقٍ ويمكن لأي مستمع مهما كان مستواه أن يتفاعل معها.

شارك في الندوة غناءً المطربة هيا الشمالي، حيث قدّمت مجموعة من الأغنيات الأصيلة بصوتها الجميل.