ثقافة

لما القيم.. صبيــة تكتــب الشـعـر بضفائرهــا..

هموم الصبايا وأحوالهن ليست وقفاً على العريس والمرآة وحتى العمل بأي منصب كان، فالعديدات منهن يحملن بين أفئدتهن هماً أدبياً وفكرياً حقيقياً، يتجلى بقدرتهن على زيادة سعة هذا العالم وهذا الأفق، لما القيم شاعرة سورية، صبية يضحك لها قمر أيلول، فتغازل قصيدتها مطر تشرين وكروم الصبح، لديها أسئلتها العميقة في القصيدة التي تنفعل عن جوانياتها بعفوية طفولية حميمة وبصدق يجعلها حارة وقريبة من ضمير المستمع وإحساسه الفطري بالعذوبة وبالفجأة التي ستدهشه تفاصيلها كشاعرة صبية تكتب الشعر إنما بضفائرها، عنها وعن قصيدتها وضفائرها، كان هذا الحوار..

الشعر فلاح عتيق
< دعينا نتعرف بك لما؟.
أنا من اللاذقية- قرية عين اللبن- وُلدت وقضيت سنواتي الأولى في دمشق، أكملت دراستي في اللاذقية -جامعة تشرين- كلية الآداب- قسم لغة إنكليزية- عدت إلى دمشق وبعد اشتعال الحرب بعامين ونصف تركتها عائدة إلى اللاذقية، وهنا بدأت رحلتي مع الشعر، الذي يسمونه اصطلاحاً بالشعر المحكي..
< برأيك.. ما الفرق بين الشعر المحكي والفصيح، ولم اخترت المحكية؟.
من وجهة نظري، الشعر شعر متى اكتملت أركانه، بغض النظر عن اللغة التي يُكتب بها، سواء كانت محكية أو فصحى، المهم أن يؤدي غرضه. لا نستطيع أن نطلق على كل ما يكتب بالفصحى شعراً، وكذلك الحال في المحكي، الشعر بنيان متكامل، وهنا أنا لا أعرف الشعر لكني أسلط الضوء على ما يمكن أن يكونه، فالشعر يجب ألا يكون جميل المظهر رثّ المعنى، وعلى هذا البناء أن يكون منجزاً بإتقان من ناحية الصياغة والصورة الشعرية والموسيقى والدهشة، وهذه الأدوات كلها تُسخّر لخدمة المعنى، في هذه الحال فقط أنا لا ألتفت للنص بأي لغة كُتب، أما عن خياري المحكية، فلإحساسي بانفعالها الصادق والحقيقي عن الذات، ولما فيها من موسيقى وإيحاء عالي الكثافة وإيقاع يدوزن الروح.
< كيف ترين علاقة الشعر المحكي بالضيعة؟.
الشعر المحكي هو ابن الأرض والسماء والمدى بينهما، ينتمي للنهر والنبع والساقية وتعاقب فصول السنة وتقلبات مزاج الطقس، ولكل فاكهة فيه حصّة، بمقدوره أن يواكب المواسم بشغف ونهم، وربما يسبقها ويسبق خطوات صبية نزلت على بيدر في ضوء القمر، الشعر المحكي هو فلاح عتيق، لكنه أيضاً متى شاء يستطيع أن يلبس قميصاً وكراڤات ويجلس على أريكة من حرير.
أنا متطرفة لصالح الصورة..
< كشاعرة كيف تنظرين إلى العلاقة بين أنثوية الشعر والشعر المحكي؟ وأين يكمن الفرق برأيك بين أنثوية الشعر وذكوريته؟.
الشعر مطواع إن امتلكتَ زمامه، أنا مثلاً أنثى وأم في آن معاً، أستطيع أن أترجم هذين العنصرين في قصائدي، فتصبح القصيدة عذراء حُبلى بالصور والمفردات، التي تأخذك لجنّة حواء ومكنونات نفسها وانفعالاتها وأحلامها، وحتى لشهوتها، دون أن أخدش كبرياءك أو حياءها، كما أني لا أحب تجنيس الشعر بين ذكوري وأنثوي إن صحّ التعبير على الرغم من أن أكثر العبارات التي وصلتني عن شعري أو أكثر التوصيفات له أنه شعر أنثوي جداً! ومع ذلك فأنت إما أن تكون شاعراً يمتلك إحساساً عالياً أو لا تكون، ربما تختلف طريقة الصياغة الشعرية، فالسائد أن للشعراء الرجال قدرة أكبر على صياغة نصوص متينة المبنى والمعنى، وأنا أتطرف قليلاً لصالح الصورة ومغزاها على حساب الصيغة الصلبة، سأعطيك مثالاً على أن الشاعر الرجل يستطيع أن يخلق أنثى تنطق أفضل من ذاتها في قصائده، اقرأ لسعيد عقل كل ما غنّته السيدة فيروز ومنه “بحبك م بعرف هنّ قالولي ومن يومها صار القمر أكبر ع تلالنا.. وصارت الزغلوله تاكل ع إيدي اللوز والسكر” من يستطيع أن يصل لكوامن أنثى كما فعل هنا ؟ (ومرجوحتي تودّي وشوف القمر حدّي تقلي انت لا تعلّي قلك بعد بدي) وأمثلة أخرى كثيرة لِـ سعيد عقل وغيره من الشعراء الذين وصلوا إلى عمق الأنثى “على بدائية هذه التسمية” وكتبوا بلسانها أكثر مما استطاعت هي حتى الآن!
< كيف تفسرين تقصير الإعلام تجاه شعراء المحكية؟.
إعلامنا اعتاد على الأشياء المألوفة والتقليدية والآداب الكلاسيكية إلى حد ما، حتى الآن لم يرقَ ليعترف بتفوّق الشعر المحكي ولم يستطع مجاراة تطوره واتساع رقعته في الساحة الأدبية، هناك ثورة شعرية حقيقية تقوم على الأرض، ولم تواكبها وسائل الإعلام، ولا أظن أنها ستلحق بها يوماً، إن بقيت هذه الذهنية الرافضة للتطور والتجديد مسيطرة على عقليتنا الثقافية.
< لماذا تكتبين ولمن؟.
قصيدتي هي أنا وعندما لا أكتب أشعر بالعقم..
< ما هو رأيك في كلمات الأغاني، ولماذا لا يبحث المطربون والفنانون عن شعراء، بينما الشاعر يفتش عن مطرب يغني له قصيدته؟.  هنا أيضاً أعود لسعيد عقل، وجوزف حرب، وطلال حيدر، ونزار قباني، وغيرهم كثر، ألم تُغنَّ  قصائدهم، وصارت إرثاً فنياً وثقافياً وطابعاً وهوية في ذاكرة الشعوب؟.
نحن من يقرر، إن كنا نريده فنّاً متكاملاً غنيّاً، أم قرع طناجر وطرطقة صحون، انظر للتجربة الرحبانية مع  صوت فيروز.. موسيقا وشعراً وغناء، هذا هو التكامل عندما تخدم الكلمة والموسيقا الصوت، ويكون صوت كصوتها قادراً على ترجمة الكلمة واللحن، آيات سحر وجمال، هذه التجربة يمكن أن تتكرر، ربما لن تكون بالألق والوهج ذاته، لكنه ليس أمراً مستحيلاً،  الجمهور متلقٍ لما تقدمه له.. أنت من تبني ذائقته الفنية والأدبية، وعليك احترامه واحترامها، المسؤولية تقع على عاتقنا، وعاتق المؤسسات الثقافية كافة.. تلفزيون وإذاعة ووزارة ثقافة والرقابة الفنية وغيرها، وأريد التمييز بين من يكتب كلمات الأغاني وخصوصاً “الشعبي الدارج” وبين شاعر يُغنّى من قصائده، هناك فرق كبير جداً.. هذه قصيدة مغنّاة، وتلك أغنية، لا يمكنك المساواة بينهما إطلاقاً، ولا نختلف على أن اللحن والصوت يخدمان القصيدة في الانتشار والوصول لشريحة أوسع من الناس، وهذا لا يعني أبداً أن الشاعر عليه أن يركض وراء المطربين ليغنوا قصائده.. فالكلمة الجميلة لابد ستصل عاجلاً أم آجلاً.
< من أين تأتين بقاموسك المحكي؟.
بالنسبة لقاموسي المحكي أو ما أسميه “بيت المونة”، فهو ابن الشام وقريتي وأمي وعشرتي الطويلة نوعاً ما لجدتي “وكبارية ضيعنا الساحلية” التجربة الإنسانية والاجتماعية أكبر مخزون للشاعر، القراءة مورد مهم جداً لأي إنسان يريد أن يكتب عن السينما والمسرح.. المخزون البصري رديف مهم أيضاً «شو بحس لمّا بكتب»! ربما من الصعب أن أترجم هذا الإحساس كتابة أو أن أصوغ مفرداته البديعة في جملة.

حِنّه البلد
وكتار هالعرسان وطرحات زهر اللّوز تسابقو لَيها/ ونيسان وطّا يبوس إجريها/ علقت بكمّو شْقايق النّعمان/ ولفّان تمّو عَلّم عليها/.
تمّام علي بركات