التضخّم يضرب أطنابه في بريطانيا
تقرير إخباري:
استطاع التضخم أن يهزّ بلدان العالم وأقوى اقتصاداته على الإطلاق، وبشكل أو بآخر هناك قلاقل في معظم المجتمعات الغربية نتيجة لهذا التضخّم الذي لم يتم الكشف حتى الآن عن حقيقة آثاره في هذه المجتمعات، وفي كل الأحوال ثمّة دول لم نتوقع أن ينالها نصيب من هذا التضخم وخاصة أنها دول استعمارية وتعيش على أزمات دول فقيرة ومنكوبة، لكن عدداً من المؤشرات الاقتصادية أكد أن التضخم اخترق هذه الدول، ومنها بريطانيا التي بدأت بعمليات ضبط الشغب والعصيان للعاملين الذين باتوا يخافون من عجزهم عن تأمين حاجاتهم اليومية.
جاء هذا باعتراف من وزير النقل البريطاني مارك هاربر الذي كشف أن رواتب القطاع العام في البلاد لن تكون قادرة على مواكبة التضخّم المرتفع، بينما تواجه البلاد موجة من النزاعات العمالية واضطراباتٍ عبر شبكة النقل البريطانية، كما سجّل تضخم أسعار المستهلكين في بريطانيا أعلى مستوياته في 41 عاماً عند 11.1% في تشرين الأول، وأظهرت أحدث بيانات رسمية للأجور ارتفاع أجور القطاع العام بنسبة 2.4% سنوياً، في حين زاد متوسط أجور القطاع الخاص 6.8%.
وهذا ما دفع هاربر إلى القول: “أعتقد أنّ زيادات الأجور التي يمكنها مجاراة معدل التضخم أو تجاوزه، لا يمكن تحمّلها”، مضيفاً: “نريد أن نمنح جميع العاملين في القطاع العام الذين يعملون بجدّ زياداتٍ لائقة في الأجور، لكن لا يمكن أن تتجاوز الزيادات في الأجور معدّل التضخم، ليس هناك أموال لتوفير ذلك.. لم يحدث هذا حتى في القطاع الخاص”.
أما وزير المالية جيريمي هانت فقد أكد خلال عرض بيان الميزانية في 17 تشرين الثاني، أنّ معاشات التقاعد الحكومية ومعظم المزايا سترتفع تماشياً مع التضخّم، وبيّن أن هناك خطة طويلة الأجل بقيمة 55 مليار جنيه إسترليني (67 مليار دولار) سنوياً لخفض الإنفاق وزيادة الضرائب.
ويعدّ الإضراب الذي نفّذه العاملون في قطاع التمريض في بريطانيا تحرّكاً غير مسبوق منذ 106 أعوام، حيث يكشف خطورة الأزمة الاجتماعية في المملكة المتحدة، فهذه الإضرابات لا سابق لها منذ عقود في عدد كبير من القطاعات.
بدورها أوضحت الأمينة العامة لنقابة الكلية الملكية للتمريض بات كولن، أن الممرضين لم يعُد لديهم القدرة على تحمّل هذا التضخم بالتوازن مع الرواتب المنخفضة ما سيؤدّي إلى عجز في إعطاء المرضى الرعاية التي يستحقونها، ورغم الإضرابات والبيانات التي قدّمها الوزراء إلا أن الحكومة البريطانية رفضت إجراء مفاوضات مع العاملين، رغم أن التقديرات تؤكد أنّ الراتب الحقيقي للعاملين في التمريض انخفض بنسبة 20% منذ 2010، ولاسيما بسبب الأزمة الحالية في غلاء المعيشة مع ارتفاع التضخم بنسبة تتجاوز 11%.
الحكومة البريطانية لا تستطيع تلبية مطالب الاتحاد، وهذا ما أكده وزير الصحة ستيف باركلي بقوله: “الوقت عصيب على الجميع”، “ولا يمكن تحمّلها”، بالمقابل تمّت مهاجمته واتهامه بأن البيانات التي يقدّمها غير حقيقية، وأنه لو أراد ذلك لقام بالكف عن التسويف وتوجّه نحو التحاور وتجنّب هذه الإضرابات.
ويبدو أن الأزمة في بريطانيا بدأت تأخذ طابعاً آخر، بعد أن أكدت جميع الدراسات السابقة أن مستوى التضخّم الحالي يمكن أن يقود البلاد إلى ركود عميق، وبالتالي فإن الأمور في البلاد مفتوحة على جميع الاحتمالات، وأن أيّ تغيير مقبل في الحكومة لن يغيّر في الواقع شيئاً لأن العجز الموجود في الاقتصاد برمّته ناتج عن سنوات طويلة من السياسات الخاطئة، ولكنّ أزمة الطاقة الحالية هي التي أظهرته.
ميادة حسن