مجلة البعث الأسبوعية

في غياب السلامة المرورية ..حوادث مأساوية تحصد الأرواح وتتسبب بأضرار مادية كبيرة  

دمشق – بشير فرزان

مع ازدياد الحوادث المرورية المتكررة على الطرق التي تكتسي بالعديد من الأنفاق والجسور لابد من السؤال عن الأسباب التي تقف وراء عجز كافة الأطراف عن التخفيف منها وإيجاد السبل الكفيلة بإقناع المواطن بضرورة استخدام الأنفاق والجسور والتخلي عن عدم مبالاته وتفضيله المجازفة بقطع الطريق بالركض والنط فوق المنصفات البيتونية أو الحديدية والمخاطرة بحياته التي تصبح ضحية مرورية.فهل يستحق اختصار بضع لحظات لقطع الطريق أن نضع أنفسنا في مواجهة خاسرة مع الموت أم نبحث عن الممرات الآمنة عبر الأنفاق والجسور ونطالب الجهات المختصة بتجهيزها لتكون قادرة على تأمين سلامتنا؟.

وطبعاً هذا المثال غيض من فيض الحوادث المرورية وماينتج عنها من وفيات أو إصابات جسدية مختلفة  وأضرار مادية والتي تشهدها شوارع دمشق على مدار الساعة لأسباب متعددة منها مايتعلق بسوء وضع الطرق الفني والتي حملتها إدارة  المرور المسؤولية عن 10 % من حوادث السير حديثه أن الفئة الأكثر تضرراً وخسارة جرّاء الحوادث المرورية هي فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين (18- 29 عاماً) مع عدد وفياتٍ بين الذكور الشباب بلغ 55 و16 للإناث، فيما بلغ عدد الجرحى الذكور 595 و280 للإناث، وهذا يحتاج إلى تجديد البنية التحتية ووسائل المرور وخاصة السلامة المرورية على  الطرق والتي يؤدي غيابها إلى حوادث مأساوية تحصد أرواح الناس كما حصل مع هدى الطالبة الجامعية التي لم تكن تعرف أن هناك حدثاً جلل بانتظارها وأن حياتها الجامعية أوشكت على الانتهاء بسقوط آخر ورقة من يوميات حياتها أثناء عبورها اوتوستراد  المزة بجانب كلية الآداب  بعد مواجهة خاسرة مع إحدى السيارات العابرة التي قطفت أحلامها وآمال أهلها وغيبتها عن الوجود لتشترك بمصيرها مع الآلاف من ضحايا الحوادث.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا على من تقع المسؤولية في ظل وجود العديد من الأنفاق والجسور إلى جانب الاوتوستراد والطرقات السريعة والتي تكثر بها الحوادث المرورية حيث يوجد في محافظة دمشق وحدها حوالي 23 جسر للمشاة وحوالي 26 نفقا, وحوالي 25 نفقا للسيارات ضمن مدينة دمشق ما بين المتحلق الشمالي والمدخل الجنوبي والمدخل الغربي والمدخل الشمالي, ولكن بعضها يستخدم والبعض الآخر لا يستخدم ويعود هذا الموضوع إلى غياب ثقافة الوعي والسلامة.

وخلال جولتنا على الأنفاق في مدينة دمشق كان لنا وقفات مع واقع بعضها التي كانت لا تحتوي على إضاءه وتعبق بالرائحة الكريهة بعد أن أصبحت مكباً للقمامة ولذلك تصنف ضمن الأنفاق المهجورة تماماً التي لا تستخدم وهذا ما أكده لنا محمد المحمد بقوله إذا وقف الميكروباص بعيدا عن النفق ألجأ لقطع الطريق إلى الطرف الآخر لأن عامل الوقت مهم وخصوصا أن النفق غير مخصص للعبور البشري فهو يفتقر لأبسط الخدمات ” أما ديانا فقالت (إنها لا تقدم على المجازفة بعبور النفق لافتقاره للإضاءة وانعدام الحركة بداخله عدا عن الروائح الكريهة التي لا تحتمل) وبدوره معتز كان له وجهة نظر غريبة فهو يقدم على قطع الأوتوستراد دائماً فمن واجب السيارات عند رؤيته يقطع الطريق أن تبطئ من سرعتها” أما أحمد فقال “لولا الحركة الطلابية لكان النفق خارج التغطية وعندما يغلق كشك النفق مع نهاية الدوام الجامعي هذا إذا فتح طبعاً تنعدم الحياة ولا ترى إلا شباناً يقفون بهدوء ملفت لانتظار فتيات للعبور, فإذا نجت بحياتها من الرائحة القاتلة فإنها محظوظة للهروب من الشبان الصيع” وطرح أيضا العديد من إشارات الاستفهام حول واقع النفق وغياب الخدمات بداخله مستشهدا بحالة نفق الآداب المتميزة.

 

ازدحام كبير

في مقابل الأنفاق المهجورة هناك أخرى عامرة بالحركة إلا أنها أيضا تعاني من عزوف البعض عن استخدامها وتفضيل المخاطرة بقطع الطرقات بشكل حر على استخدامها كنفق الآداب الذي يعيش حالة من الحراك الدائم ويحتوي على العديد من المكاتب التي تؤدي إلى ازدحام كبير بداخله مما يدفع بعض الطلبة للمجازفة بحياتهم وقطع الاتوستراد فجورج الذي رأيناه يجتاز الحاجز الحديدي الموجود على اتوستراد المزة (طالب طب سنة أولى) قال ” لم أعد أقدم على عبور النفق فأنا أشعر بأني في متاهة ليس لها نهاية إذ بات عبور النفق يمثل معاناة حقيقية من شدة الازدحام الطلابي نتيجة وجود تلك المكاتب الخدمية ولذلك أفضل قطع الطريق على استخدام النفق.

أما نفق الحميدية فهو يحوي أيضا على العديد من الخدمات الجيدة فالمحال التجارية ملتزمة بالمكان المخصص لها ولا تتعدى على الأملاك العامة، والنفق عريض يلائم الأعداد الكبيرة من المارة ، التي تعبر إلى سوق الحميدية والأدراج الموجودة معقولة مقارنة مع غيرها من الأنفاق بالإضافة للسلم المتحرك ولكن غالبا ما ينقطع التيار الكهربائي عنه مما يؤدي للازدحام داخل النفق, وعدم إقبال الناس للمرور من داخله نتيجة قطع التيار الكهربائي بشكل متكرر.

والحالة ذاتها رأيناها في نفق باب شرقي المجهز بالخدمات الجيدة التي تشجع المارة للعبور من خلاله, وكذلك الحال بالنسبة لنفق عرنوس, أما بالنسبة لنفق البرامكة فإنه على الرغم من توفر محلات تجارية فيه إلا أن المارة لا يحبذون استخدامه لعدم توفر بعض الخدمات ونفق المشاة الموجود في منطقة نهر عيشة ، يجري استخدامهما كدورة مياه، وتفوح منهما الروائح الكريهة ويعاني النفقان من نقص الخدمات.

ارتكاب المخالفات

فرضية سوء التخديم الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق قالت أكثر من مرة “أن المواطن لا يزال لا يتمتع بثقافة مرورية واضحة حيث نلاحظ جهلا واضحا من جانبه بقطع الطرقات والاستهتار بمخاطرها ويحاولون ارتكاب المخالفات عن قصد أو من دون قصد كجمعية لا نقبل بهذه وكذلك الأمر بالنسبة للحكومة ويجب التعاون مع وزارة التربية والنقل والداخلية لحماية المواطن وحماية نفسه بنفسه فليس لدنيا القدرة على حمايته بقدر ما هو قادر على حماية نفسه وذلك عن طريق التقيد بقانون السير في سورية الذي لا يزال ضعيفاً جداً حتى الآن بسبب ضعف الثقافة بشكل عام وخصوصاً ذوي الثقافة المتدنية, لذلك يجب تعاون المجتمع الأهلي مع باقي الوزارات لرفع سوية الوعي والثقافة المرورية لدى الناس” ورغم قيام المحافظة بدراسات عديدة لوضع جسور أو أنفاق في أماكن النقاط السوداء التي تكثر بها الحوادث المرورية إلا أن بعضها غير مخدم ويفتقد لأبسط التجهيزات الخدمية.

إذاًالمسؤولية الكبيرة تقع على عاتق المواطن الذي يستخف بالتقيد بقانون السير وكل التدابير التي من شأنها أن تحافظ على حياته. إن بعض الحوادث التي يتعرض لها المشاة تجري تحت جسر المشاة أو على بعد 100 متر منه. لذلك ينبغي على المواطنين استعمال جسر المشاة المخصص لهم، لأنه لا يكفي المطالبة ببناء جسور بل يجب استعمال هذه الجسور تفادياً لوقوع الكثير من الإصابات والوفيات ويجب تخديم الأنفاق بخدمات تشجعيه وخصوصا المهجورة بإنارتها ووضع مصارف أو علبة هاتف مثلا بالإضافة إلى فصل كهرباء الأنفاق عن الشبكة العامة خوفاً من انقطاع التيار عنها, والعمل على وضع درج متحرك في الجسور العالية والأنفاق لعجز كبار السن والنساء الحوامل والأطفال عن عبوره.

ولاشك في أن متابعة واقع هذه الأنفاق والجسور يحتاج إلى تعاون المجتمع الأهلي والجهات المعنية لتخفيض عدد الحوادث فلا يكفي القيام بتنفيذ مشاريع طرقية ضخمة عالية المواصفات والجودة وجسور ومعابر, إنما يجب متابعة تشغيلها وصيانتها بإصلاح كل ما يطرأ عليها من عيوب وتخريب بسبب الاستعمال وعامل الزمن، وهذا يتطلب التحرك الدائم بتأمين كل مستلزمات الصيانة وضمن أوقات مناسبة وبالاعتماد على جهات مختصة والتزام المواطن بقانون السير.