أدوات أم فرْد عائلي؟
عبد الكريم النّاعم
الأدوات عند البدو بسيطة، وخفيفة، لتناسب الترحال من مكان إلى مكان، وهي بعد الانتهاء منها تُركَن، وتُنسى لوقت الحاجة إليها مرّة أخرى.
الأدوات لدى الفلاّحين أكثر تنوّعاً، وهي أدوات موسميّة، من المحراث الروماني (استُبدل الآن بالجرّار الآلي)، إلى المنجل إلى المغمارة، إلى باقي الأدوات، وهي على كثرتها، بحكم تطوّر وسائل الإنتاج، حين يُنتهى منها، تُركن في مكان ما لحين الحاجة.
الأدوات في المدينة تزداد تعقيداً، فهنا التجارة، والصناعة البدائيّة والمتطوّرة، والحرف بأنواعها، وكلّ صاحب شأن من تلك الشؤون، يُغلق محلّه ويذهب في المساء إلى بيته، وقد ترك تلك الأدوات، فهي لا تُلازمه، ولا يحتاج إليها إلاّ في العمل.
كلّ هذا كان قبل ثورة المعلومات، الثورة الثالثة في العالم، والتي يصعبُ التكهّن على أيّ برّ سترسو، فمنذ أن دخل المذياع بيوتنا أضفنا فرداً إلى العائلة، يتذكّر من عاش زمن حفلات أمّ كلثوم الشهريّة كيف تجتمع العائلة والأصحاب للاستماع إلى سيدة الطرب العربي، وحتى خارج ذلك صار فرداً جديداً في العائلة غير مسجّل في قيد النفوس.
بدأت المخترعات تتناسل، وتتراكم في بيوتنا، وكلّها صارت، أو صُيِّرتْ ضروريّة، خذوا المايكروويف على سبيل المثال، والذي أعلنتْ اليابان أنّها ستُنهي استخدامه في عام 2030 بسبب أضراره الصحيّة، ونحن نتهافت عليه، هذا المايكروويف صحيح أنّنا نغلقه حين لا حاجة له، ولكنّه صار شبه فرد في الأسرة، وقد لا تقبل سيّدة البيت بالاستغناء عنه، لأنّه يوفّر لها وقتاً إضافيّاً لطقّ الحنك، والنّميمة.
حين دخل التلفزيون إلى بيوتنا صرنا جميعاً نلتمّ لمتابعة نشرة أخبار، أو مسلسل، وصار هذا الجهاز يدفعنا للسهر وقتاً أطول، ونحن صامتون وهو يتكلّم، فصار فرداً أكثر فاعليّة من أفراد العائلة، بل هو الفرد الوحيد المتكلّم فينا، ويُفترَض أن ننسى الحالة التي داهمتنا في سورية بحيث لا نرى الكهرباء إلاّ أقلّ من نصف ساعة، أو أكثر كلّ ست ساعات، فلا نغفل عن أن آلاف الفضائيات تبثّ ليلاً ونهاراً، ونتساءل ما نسبة المعارف الثقافية، والتوعوية التي تخدم جوهر الإنسان، ولسوف نحصل على نتيجة مخيّبة لأنّها بالغة ما بلغت لن تعادل شيئاً في ميزان ما يُبثّ لترويج أدوات الاستهلاك، وإفساد الأخلاق لمصلحة شركات عالميّة لا قيمة عندها إلاّ للمال، ولو على حساب تدمير هذا الكوكب.
الآن نصل إلى المحطّة التي ما ندري ما إذا كانت أخيرة، أم أنّها مُقدّمة لما سوف يُبتَكر لمصلحة ما فيه الربح، وهو الموبايل.
بالمناسبة أصبحت شركات الموبايل تنتج أجهزة سريعة العطب ليظلّ الطلب قائماً، هذا الموبايل هو الفرد الذي يحمله كلّ من في العائلة، ولقد أشرتُ له في زاوية سابقة، فهو إن أصابه خلل نمرض مقابل مرضه، ونجهد لإصلاحه كأنّه طفلنا المدلَّل!!.
يمكن أن يُطلق على هذا الجهاز مفرّق الجماعات، ألا تلاحظون أنّ الغالبيّة منصرفون إليه، ولا يأبه جار بجاره، ولا جليس بجليسه، فالجميع منصرف إليه، وإلى ما فيه؟!!.
على أثر نشر زاويتي السابقة عن الموبايل، وانصراف الشباب له في الشوارع أخبرني صديق من أمريكا أنّ هذه الظاهرة موجودة هناك، فكثيراً ما يشتعل الضوء الأخضر لعبور المشاة، والشاب/ الشابة منشغل به حتى يشعل الضوء الأحمر وتفوته الإشارة.
صديق من كندا نفى هذه الظاهرة، وأشار إلى أكشاك عامّة يستطيع المُطالع أن يأخذ أي كتاب منها مجاناً، ليقرأه ويعيده، ويستطيع أن يهدي الكشك أيّ كتاب.
الروائية والقاصة والباحثة جمانة طه أخبرتْني أنّ ابنة جيرانهم سقطت في حُفرة وهي تتابع موبايلها.
هل ثمّة تعليق..؟؟!.
aaalnaem@gmail.com