عقدة المنقذ.. شعور في مؤسسات الغرب وأيديولوجيته
عناية ناصر
عانى بعض السياسيين ووسائل الإعلام الغربية لفترة طويلة من عقدة المنقذ، فهم يعتقدون أنهم متفوقون، وأن الحلّ الصحيح الوحيد للعديد من القضايا في هذا العالم هو السير في المسار الغربي، ولذلك تعتبر كيفية كبح جماح مثل هذه العقدة مشكلة خطيرة يواجهها الغرب.
وغالباً ما ينظر الغرب إلى الدول غير الغربية، بما في ذلك الصين، بنظرة استعلائية، كما يعتقد العديد من الغربيين أن حضارتهم يمكن أن تنقذ العالم، وأن قيمهم يمكن أن تدفع العالم إلى التقدم ويصبح مكاناً أفضل، لكن الغرب يفتقر الآن إلى علاج وحلول للقضايا العالمية. على سبيل المثال، لم يتخلّ بعض الغربيين، في حالة الوقاية من وباء كوفيد-19 والسيطرة عليه، عن عقدة المنقذ المتأصل لديهم بعد، بحجة أن الغرب ملزم بإخبار الدول الأخرى غير الغربية، بما في ذلك الصين، ما هو الطريق الصحيح لمواجهة الفيروس. لقد رفض العديد من النخب في الغرب منذ بداية الوباء، الاعتراف بإنجازات الصين في جهودها لمكافحة وباء كوفيد، بل وعملوا على عدم استفادة بلدانهم من خبرات الصين الناجحة في الحدّ من الوباء والسيطرة عليه. كما استمرت بعض وسائل الإعلام الغربية في انتقاد الصين وتقويضها وتوجيه الاتهامات الخبيثة بشأنها بعد أن خفضت الدولة مستوى إدارة الوباء من الفئة (أ) إلى الفئة (ب).
إن عقدة المنقذ لدى بعض النخب الغربية هي نتاج شعور فطري بالتفوق في مؤسّسات الغرب وأيديولوجيته وثقافته، لكن هذا الفخر أدى إلى الافتقار إلى تأمل ذاتي منظم في هذه المؤسّسات. ونتيجة لذلك، حتى لو بدأ العديد من أعضاء المجتمع الفكري في الغرب التفكير بنظامهم، فإن مثل هذا الاسترجاع لا تقبله النخب الحاكمة في الغرب.
قال شو ليانغ، الأستاذ في كلية العلاقات الدولية بجامعة بكين للدراسات الدولية: “بشكل عام، إنه كلما كانت الثقافة ومؤسساتها أكثر شمولاً، كلما كانت أكثر ديناميكية وابتكاراً. ومن ناحية أخرى، كلما ازدادت صلابتهم وأهميتهم الذاتية، ازداد ضررهم على أنفسهم وأصبحوا عاجزين عن مواجهة الانحدار”. وأشار شو: لقد بات من الواضح أن الغرب يواجه تدهوراً منهجياً، والحلّ الأفضل هو أن يتعلم الشرق والغرب من بعضهما البعض، فمن خلال هذه العملية، يمكن إيجاد حلول أفضل للتغلب على المشكلات التي يواجهونها الآن.
من الصعب على الغرب أن يكسر ويتجاوز الحدود التي وضعها لنفسه، فمع الغطرسة وانعدام الإرادة للتعلم من الآخرين، يصعب عليه قبول الأصوات المعارضة من الخارج وحتى من داخلها، كما أنه ليس لديه الإرادة لفهم ثقافة العالم الشرقي والتعلم منها. لذلك فإن عقدة المنقذ تضرّ أكثر مما تنفع في حلّ المعضلات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الحالية التي يواجهها الغرب.
من منظور قصير المدى، ستظلّ بعض النخب الغربية الحاكمة تفتقر إلى القدرة على التفكير في نفسها، ناهيك عن التعافي من عقدة المنقذ، ولذلك لا يمكن حلّ التناقضات الهيكلية للعالم الغربي بشكل أساسي. في المقابل، إذا أرادت النخب الغربية الانخراط في تأملات جوهرية، فعليها التخلي عن قدر كبير من مصالحها الخاصة، وهو أمر سيكون مؤلماً للغاية بالنسبة لها. ونتيجة لذلك، يمكنهم الدفع باتجاه إصلاح تقريبي ومنخفض المستوى بدلاً من إصلاح منهجي واسع النطاق.
ومع استمرار الانحدار الغربي، فإنه سيؤدي إلى عدد متزايد من المشكلات الاجتماعية داخل النظام الغربي، وفي هذه الحالة قد يجبر الاضطراب الاجتماعي النخب الحاكمة في الغرب على اللجوء إلى الإصلاحات، وإعادة التفكير في أنفسهم.