قراءة في الطاقة الكهربائية.. إنتاجاً وتوزيعاً
مضت عدة أعوام والطاقة الكهربائية المنتجة والمتاحة أقلّ من الحاجة لها، منشآتياً ومنزلياً، والمؤسف أن نسبة توفرها استمرت تتذبذب بين حين آخر بما هو أقرب للتناقص لا للازدياد، إذ ما من إجراءات فنية تمّت أو وعود رسمية صدرت، توحي بتحسن هذه الطاقة، إلا وكان الوضع اللاحق أقرب إلى السوء أكثر مما هو للتحسُّن، وأيُّ تحسُّن حدث واستمر لأيام كان بشكل طفيف جداً، وأعقبه سوء استمر لأسابيع وأشهر، وعاد الأمر إلى ما كان عليه الوضع قبل الإجراءات والوعود، بل وأحياناً أسوأ!.
والمواطن العادي يستغرب دوام هذه الحال في بلدنا، الذي ما اعتاد استمرار الأزمات لسنوات، والشكوك تراود الكثير من المواطنين، وإلى درجة اليقين بأن البلد أمام حالة قصور وتقصير السلطات المعنية في استثمار المنشآت والموارد المتاحة، وضعف حكمتها في الاستفادة المثلى من علاقتنا مع الأصدقاء الذين لديهم إمكانية الوقوف إلى جانبنا في هذا الاتجاه، خاصة وأنه من المفترض أن معاهدات الصداقة القديمة والقوية توجب هذا التعاون المنشود، باتجاه الحدّ من أثر الحصار المفروض على بلدنا، فاستمرار حالة التيار الكهربائي هذه على ما هي عليه طيلة هذه السنوات، أسفرت عن معاناة اجتماعية عامة قاهرة منشآتياً وأسرياً، وتسبّبت بتراكم نتائج خاسرة وأحياناً مدمرة اقتصادياً.
أيضاً كان من المفترض أن رفع سعر قيمة التيار الكهربائي الصناعي والتجاري بنسبة كبيرة والمنزلي بنسبة تقارب ضعف ما كان عليه، سيسفر عن استثمار الدخل الكبير المتحقق من ذلك لمصلحة تمكين وزارة الكهرباء من مزيد من التجديد والإصلاح والصيانة لتحسين إنتاج التيار الكهربائي، بالتوازي مع التحسين الإضافي المفترض أن يكون قد حصل من جراء تتابع انتشار تركيب الطاقة المتجددة لآلاف المنشآت والأسر، بالترافق مع انتشار إحداث مئات الوحدات من هذه الطاقة التي تبيع إنتاجها للحكومة، مع استمرار وجود انتشار مئات من مولدات الأمبير في كل محافظة، والتساؤل الكبير لماذا لم يحصل هذا التحسن الموعود والمنشود؟!.
معاناة المواطنين من الضعف الكبير في إنتاج الطاقة الكهربائية يرافقه معاناة أكبر من توزيعها مناطقياً، إذ أن نحو نصف الطاقة الكهربائية المتاحة معطاة بشكل شبه دائم للمدن الصناعية وبعض المنشآت العامة والخاصة في أكثر من مكان، وأيضاً معطاة لأغلب الإدارات الرسمية والمنظماتية الأعلى وبعض المناطق الصغيرة لاعتبارات معينة، ولكن المساحة الجغرافية المستفيدة من هذا النصف صغيرة جداً بحجمها السكاني، وأقل بكثير من المساحة الجغرافية (التي يتواجد فيها نسبة كبيرة من السكان وعدد كبير من المنشآت الصناعية والخدمية الصغيرة والمتوسطة)، لأولئك السكان الأكثر حجماً المعطاة لهم الطاقة المتبقية بشكل مقنَّن جائر، يتراوح حول ساعة تيار كهربائي كل خمس ساعات انقطاع، وكثيراً ما ينقطع التيار مرة أو أكثر خلال ساعة توفره هذه، ما يشكل حالة غبن كبيرة، علماً أن السعر الأعلى الذي يدفعه أصحاب المنشآت الصناعية المستفيدة من استمرارية الطاقة الكهربائية عندها هو في المحصلة من جيوب مستهلكي إنتاجهم، أولئك السكان الخاضعين للتقنين الجائر، لأن أصحاب المنشآت هذه رفعوا أسعار منتجاتهم بما يغطي السعر الأعلى الذي دفعوه على سعر الطاقة، وبعض العاملين في الإدارات الأعلى والمقيمين في المناطق القليلة المستفيدة من استمرارية التيار لديها يعيشون بعض البذخ في استهلاك الطاقة، وتحديداً فيما يخص الإنارة، ومن يدخل إلى تلك الإدارات والمناطق يرى مئات المصابيح المنارة دون حاجة ماسة لها، عدا عن استمرارية وصل التيار لبعض الآلات والمعدات دون حاجة ماسة لتشغيلها، وأيضاً على الأغلب فإن التيار الكهربائي متوفر لمنازل كبار المعنيين في هذه الإدارات (الذين هم أصحاب القرار في كثير من الأمور بما في ذلك متطلبات قرار تحسين التيار الكهربائي)، أكان من الشبكة العامة أو من مصدر آخر (مولدة– طاقة بديلة– أمبيرات)، وبالتالي فهم لا يعانون مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، ما يجعلهم لا يتحسّسون هذه المعاناة عند غيرهم، وغير منهمكين بالحجم المطلوب في معالجة واقع غيرهم، إذ أن من يأكل العصي لا كمن يعدّها.
طالما أنه لا عدالة وطنية في أن تكون الكهرباء متاحة لمواطن في مكان بأقل مما هي متاحة لمواطن في مكان آخر، وحيث إن الدستور السوري ينصّ على أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، أرى ضرورة العمل على وقف منح التيار الكهربائي بشكل متباين كثيراً بين منطقة وأخرى (باستثناء مناطق الزراعة المحمية لأنه ليس بمقدور مزارعيها توليد تيار كهربائي ذاتي وهم يحتاجون له ساعات فقط خلال صقيع أيام الشتاء)، وتوزيع كامل التيار الكهربائي المتوفر حالياً بالنسبة نفسها لكل منطقة وبساعات التقنين نفسها (مع رفع السعر لضمان تخفيف الهدر) وعلى كل جهة (عامة أو خاصة– صناعية أو خدمية) تأمين حاجتها الإضافية من الكهرباء بطريقتها الخاصة -عن طريق مولدات أو طاقة بديلة أو أمبيرات– وفي هذه الحالة سيلجأ –وسيعمل- أصحاب المنشآت الكبيرة في المدن الصناعية لإحداث محطات توليد كبيرة لهم، وعلى أن يكون ذلك متواكباً مع مسعى حكومي جاد ومدروس لتحسين التيار الكهربائي بشكل عام، وبما تعود فائدته بالتساوي جغرافياً على جميع المناطق.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية