النباتات الطبية والعطرية “الذهب الأخضر” .. تنوع نباتي بعائدية اقتصادية عالية .. واستثمار عشوائي يهدد استمرارها
البعث الأسبوعية- ميس بركات
في الوقت الذي تتفوق فيه النباتات الطبيّة والعطرية في دول كثيرة على العقاقير الكيميائية من ناحية الأهمية الطبية والعلاجية للكثير من الأمراض، نجد أن هذه النباتات لا زالت تصطف في قوائم “الزراعات المنسية” في بلدنا الغني بها، فعلى الرغم من امتياز الكثير من الأراضي الزراعية السورية بوجود هذه الزراعات إلّا أنها لم تحصل على حصتها إلى اليوم من جهة الاهتمام والتصدير وتصنيفها “بالذهب الأخضر” أسوة بكثير من الدول التي عرفت أهميتها ولم تبخل في استيرادها أو حتى توفير شروط زراعتها خلافاً للفوضى الحاصلة في زراعتها والاعتناء بها لا سيّما في مناطق الساحل التي تعد البيئة المناسبة لها .
قيمة مضافة
نشر زراعة النباتات الطبية والعطرية كان محط اهتمام وزارة الزراعة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً حسب ما أكده المهندس أحمد حميدي رئيس دائرة المحاصيل الحقلية في وزارة الزراعة، لافتاً في حديثه ل”البعث الأسبوعية” إلى العائدية الاقتصادية الكبيرة لهذه الزراعة خاصة عند تصديرها، وعملت الوزارة على تقديم الدعم والقروض والمساعدات الفنية للتوسع بهذه الزراعة، ومن ثم اهتمت بالتخطيط لزراعة بعض أنواع المحاصيل الطبية والعطرية مثل الكمون واليانسون وحبة البركة وذلك لرغبة الفلاحين بزراعتها لريعيتها الاقتصادية العالية وانخفاض تكاليف انتاجها، وأشار حميدي إلى اهتمام الوزارة بالاستفادة من القيمة المضافة لمنتجات هذه النباتات بدلا من تصديرها بشكل خام، وشجعت الصناعيين للاستثمار في هذا المجال من تصنيع وتوضيب وتصدير فكان اللقاء الأول مع كافة الجهات المعنية من خلال المؤتمر الذي انعقد في العام الماضي والذي نتج عنه توصيات تساعد على النهوض والتطوير في هذا المجال. سوق عالمي رئيس دائرة المحاصيل الحقلية تحدث عن وجود سوق عالمي ضخم لهذه النباتات فقد بلغت قيمة الصادرات لأكبر عشرين دولة 609.9 مليون دولار في العام 2001 أي ما يمثل 80% من اجمالي الصادرات العالمية، مؤكداً أنها من الزراعات المربحة لسهولة إنتاجها وسرعة نموها وانخفاض تكاليفها ، وارتفاع أسعارها التسويقية مقارنة مع باقي المحاصيل، وصنّف حميدي النباتات الطبية والعطرية في سورية إلى مجموعات ذات خصائص مشتركة أو مواصفات متشابهة، وذلك بقصد سهولة التعرف على هذه المجموعات ودراسة جميع الخصائص التي تجمع هذه النباتات حيث تصنف النباتات الطبية العطرية تبعاً للجزء المستخدم والذي يحتوي به المادة الفعالة، نباتات تستعمل بأكملها ونباتات تستعمل أوراقها ونباتات تستعمل أزهارها، ونباتات تستعمل بذورها أو ثمارها، ونباتات تستعمل أجزائها الأرضية، لافتاً إلى أن أهم النباتات التي يتم التخطيط لزراعتها من قبل الوزارة هي الكمون وحبة البركة والزعتر والكزبرة والوردة الجورية ، وحالياً يتم العمل على التوسع بزراعة الزعفران والاهتمام بجمع وتسويق نبات”القبار” وتتمركز الزراعات في كافة المحافظات تقريباً وتعتبر محافظة حلب من أكبر المساحات في زراعة هذه النباتات الطبية العطرية، ومن ثم إدلب وحماه وأخيراً حمص والغاب وريف دمشق وطرطوس والسويداء، أما المساحة المخططة الإجمالية لهذا الموسم 68517هكتار وقد تم زراعة مساحة 2496 لغاية اليوم ولا زالت الزراعة مستمرة. خطر الانقراض ومما لا شك به أن الكثير من هذه النباتات تظهر في الأراضي الخصبة دون زراعة أو اعتناء كبير بها خاصّة في الأرياف، ومما لا شك به أن الكثير من الأسر لا تتوانى عن قطافها بشكل مفرط وعشوائي والاحتفاظ بها كدواء نافع في فصل الشتاء والاتجار بما تبقى في الأسواق المحلية بشكل غير منظّم وبعيد كل البعد عن وجود تسعيرة وشروط واضحة لبيعه، إذ تؤكد الكثير من الدراسات العلمية أن الإفراط في جمع النباتات البرية من أجل استخدامها في الطب البديل يعرض عدداً متزايداً من الأنواع لخطر الانقراض، حيث تهدد الممارسات والأنشطة البشرية بانقراض خمس النباتات حول العالم , نظرا لما تسببه هذه الممارسات من تدمير بيئة العيش الخاصة بها، وتضيف الدراسة أنه ورغم التطور الذي عرفه الطب الحديث في العالم إلا أن هناك عودة للطبيعة والطب التقليدي المعتمد على مواد الطبيعة وذلك في العالم بأسره ، إذ تقدر منظمة الصحة العالمية أن نسبة سكان العالم الذين يعتمدون على الطب التقليدي كأسلوب علاج أساسي تتراوح ما بين 65-80% .
رافد اقتصادي
عضو غرفة الزراعة عبد الرحمن قرنفلة اعتبر النباتات الطبية والعطرية كنز وطني من كنوز بلدنا الزراعي لاسيّما غير المزروع منها والذي ينمو طبيعيا في بيئات البلاد، لافتاً إلى ضرورة دعم إجراءات وزارة الزراعة من خلال إقامة حديقة وطنية للنباتات الطبية والعطرية أسوة بما هو موجود في دول العالم المتطورة هدفها حفظ الأنواع النباتية وإكثارها ونشر ثقافة استخدامها في الطب البديل أو العلاج الطبيعي نظرا لمخاطر الاستخدام العشوائي والمضاعفات التي تحصل نتيجة الاستهلاك الخاطئ لبعض النباتات، ونوّه قرنفلة إلى دور الحديقة الوطنية بتشجيع الأساليب العلمية في زراعة وجمع وتحضير النباتات الطبية والعطرية لتشكل رافداً اقتصاديا للبلاد، خاصّة وأن النباتات الطبية والعطرية نباتات تصديرية حيث يتجاوز مردود زراعة هكتار بالزعتر مبلغ 2530 دولاراً ، أما المليسة فيبلغ مردود زراعة الهكتار منها 2340 دولاراً ومردود هكتار الميرمية يحقق 1750 دولاراً ، و مردود الهكتار الواحد من اليانسون بحدود 600 دولار أميركي كريع صاف للمزارع وفق ما أثبتته دراسات البحوث العلمية الزراعية في سورية. بيئة الساحل السوري صيدلية طبيعية تكاليف بسيطة عضو غرفة الزراعة تحدث عن مناخ وبيئة سورية الداعم للتنوع النباتي و لنمو النباتات الطبية والعطرية بشكل تلقائي، إضافة إلى إمكانية زراعة عدد كبير منها، حيث تشير العديد من المصادر العلمية –حسب قرنفلة- إلى وجود أكثر من ألف نوع من النباتات الطبية تزرع في سورية التي تعتبر من أقدم الدول التي استخدمت النباتات الطبية في الطب الشعبي، إذ يعتبر الساحل السوري من أهم المناطق التي تنمو فيها النباتات الطبية والعطرية طبيعيا لأن فترة الضوء خلال النهار والظروف البيئية تساعد على إنتاج زيوت بنسبة اكبر من أي منطقة في حوض البحر الأبيض المتوسط ولهذه النباتات فوائد جمة حيث يستخدم الكثير منها في صناعة الأدوية، مؤكداً أن الدراسات أثبتت أن تقطير النباتات الطبية واستخلاص الزيوت منها ذو مردود اقتصادي مرتفع حيث يصل سعر ليتر زيت الزعتر الخليلي إلى /500/ ألف ليرة ويحتاج من /300 إلى 500/ كيلوغرام من النباتات المجففة بينما يتراوح سعر ليتر زيت الوردة الشامية بين مليون ومليون وخمسمائة ألف ليرة ويحتاج إلى/1.5/ طن من الورد، وأشار قرنفلة إلى أن زراعة النباتات الطبية لا تحتاج إلى تكاليف مادية هائلة كونها لا تتطلب أسمدة أو مبيدات حشرية بكميات كبيرة ومعظمها ينمو طبيعياً في مناطق وبيئات مختلفة من البلاد.
استثمار الزراعة
ولم ينكر قرنفلة الاهتمام المبذول من قبل وزارة الزراعة بهذه الزراعة لكنّ المطلوب اليوم هو العمل على استثمار هذه الزراعة عن طريق إقامة معامل متخصصة و والتعريف بالنباتات الطبية السورية في بعض الدول العالمية وجمع البري منها جمعاً صحيحاً وتجفيفها ضمن الشروط الصحية لضمان الاستفادة الكاملة من موادها الفعالة و تحسين نوعية النباتات الطبية المستخدمة في التصنيع ووضع شروط لشراء هذه النباتات بما يساهم في خلق فرص عمل حقيقية لمزارعي وجامعي ومشجعي ومصدري النباتات الطبية في سورية بحيث تشكل مصدراً هاماً من مصادر القطع الأجنبي للقطر.