مجلة البعث الأسبوعية

جيل الشباب الأشبال وثقافة التطوع أثناء الزلزال

حلب- غالية خوجة

كيف ساهم الأشبال من الجيل الشاب في الواقع الميداني أثناء مأساة الزلزال؟ وكيف قادتهم بوصلتهم الإنسانية بالفطرة مثل جميع السوريين للمساهمة على الصعيدين الفردي والجماعي؟

بين حجر وركام وغبار حكايات ملحمية لا تنتهي لأجيال في سوريتنا الحبيبة، فمع كل لحظةِ حربٍ عشناها حكاية تتناسل من حكاية، ومع كل ثانيةٍ من الزلزال وهزاته الارتدادية وتوابعها المؤلمة حكاية تتفرع إلى حكايات يكتبها السوريون بآلامهم وآمالهم لترويها الأزمنة للأزمنة، كما ترويها الوجوه البريئة وهي تنظر من بين الأنقاض لمنقذيها شاكرة الله والباحثين عنها، كما يرويها المصابون والضحايا والذين ما زالوا على قيد الإنسانية.

لا ضيق مع الصديق

هب الشباب والصبايا بكل ما أوتوا من إنسانية إلى مساندة وطنهم وأهله في تقديم المساعدة والإغاثة بمختلف أشكالها ومختلف إمكانياتهم، فتجلت ثقافة التطوع كمبادرة ذاتية تنبع من المحبة والشهامة والإنسانية، وهذا ما فعلته الجهات المتنوعة ومنهم الأدباء الشباب الذين تجمّعوا بشكل عشوائي منذ اليوم الأول كما يقول الأديب الشاب المتطوع ربيع منصورـ قائد فريق رابطة أدباء شباب سورية لفرع حلب، وتابع: اتفقنا على النت بسرعة على الالتقاء في ساحة سعد الله الجابري، وشكّلنا مجموعة كبيرة بدأت بحوالي خمسين مشاركاً ومشاركة من جميع الروابط والفرق الأدبية مثل قريق الإسعافات واتحاد طلبة سورية وأناس لا ينتمون لأية جهة لكنهم فقط يحبون المساعدة، ومنهم أحد العساكر والذي التقيته مصادفة في “السرفيس” وأنا متجه إلى الساحة وهو يسأل: يا جماعة أنا أحب أن أساعد كيف أساعد؟ مع من سأذهب؟ أنا نزلت إلى الشوارع فقط للمساعدة، فقلت له: تفضل معنا.

ملحمة الإنسانية

واسترسل ربيع منصور: ثم، نسقنا، حينها، مع اتحاد طلبة سورية، وصرنا نذهب إلى المناطق التي يتواجد فيها المتضررون والبنايات المنهارة حيث تواجد الدفاع المدني لإنقاذ الأرواح من تحت الأنقاض، وحاولنا مساعدتهم سواء في إخراج جثث الضحايا، أو إجراء الإسعافات الأولية للمصابين، وقضينا نهار ذاك اليوم معهم، ثم اتجهنا إلى الأمانة السورية للتنمية وساهمنا معهم في تنزيل المواد وفرزها وتوزيعها وتوثيق اللوائح حاسوبياً، وفي هذه المرحلة، وهذا التوقيت، صار عددنا أكثر من 200 شخص من حلب وغيرها من المحافظات مثل دير الزور ودمشق، والذين جاؤوا فقط للمساعدة، وطلبت منا الأمانة السورية عدداً من المتطوعين، فتطوع عدد من البنات ولم ينمن نهارها وليلتها أبداً.

وأكمل ربيع منصور الملحمة الإنسانية: وفي اليوم الثاني، انطلق فريقنا المتطوع، منذ السادسة صباحاً إلى العمل، وبدأنا نوزع المواد والاحتياجات، وحالما انتهينا عدنا مع الأستاذ أمجد بري الذي فتح باب جمعية بيت القصيد الثقافي للمساعدات مع الدكتورة ساندرا عفش التي بادرت فوراً إلى العمل التطوعي معنا، وبدأنا بشراء الوجبات وتوزيعها، بعد ذلك، تم التواصل بين الجمعية ومحافظة حلب ومديرية الشؤون الاجتماعية للتنسيق ومعرفة أماكن مراكز الإيواء المحتاجة، كما جاءتنا تبرعات مالية كبيرة من الصيدلانية جمانة فياضالتي فتحت صيدليتها للناس المحتاجة للدواء، فاشترينا بها الألبسة والحرامات والطعام ووزعناها، كما جاءتنا تبرعات مختلفة منها من الشام، إضافة للكثير من المساعدات الأهلية والمحلية وحتى الخارجية وتمّ، بعون الله، توزيعها جميعها مع توثيق كامل، وأذكر منها أيضاً حليب أطفال وألبسة وتمر وحفاضات، وزعناهم للعائلات في مراكز الإيواء وذلك بالتنسيق مع المحافظة والشؤون الاجتماعية وحزب البعث العربي الاشتراكي.

جمال الإيثار

وأضاف: والجميل الملفت الذي حدث معنا أن الفريق الذي وزع الوجبات في اليوم الأول ظل حتى الليل دون طعام رغم الإرهاق الواضح، وبعض المتطوعين الشباب نام في مراكز الإيواء من مدارس ومساجد ليكونوا جاهزين للمساعدة في أية ثانية أو لحظة.

جيل القدر الصعب ينقذنا

وأكدت المتطوعة الشابة الدكتورة ساندرا عفش على أن الشباب أساس ودعامة هذه المبادرات سواء كانت فردية أو مع الجمعيات الخيرية أو مع أية جهة تساهم في هذا العمل المجتمعي التطوعي النبيل، لأن شباب هذا الجيل ولدوا في قدر صعب وهم من سيخرجنا منه.

وأضافت: تعاونت مع جمعية بيت القصيد ورابطة أدباء شباب سورية، ومعظمهم في مطلع العشرينيات من العمر، وكنا نقوم بجمع التبرعات ثم نجتمع في مركز الجمعية لإنجاز الفرز والترتيب وتحديد وجهة التوزيع، وأغلب المتطوعين والمتطوعات كانوا يصلون الليل بالنهار ويعملون بشكل متواصل ويوزعون ما يقارب 1500 وجبة غذائية وهم بلا طعام، إضافة إلى توزيع الملابس والمبالغ النقدية والأغذية المتنوعة والجاجيات الصحية والأدوية في مختلف مراكز الإيواء، كما أسهم الفريق الطبي في عمليات الإسعاف، وطبعاً، كان الدور الأكبر للهلال الأحمر فرع حلب، إضافة للفرق الهندسية التي تطوعت مجاناً لفحص البيوت المتصدعة.

شجاعة مقدامة

وبدورها، قالت الأديبة الشابة المتطوعة آلاء عبيد: كان دور الأدباء الشباب جميلاً وشجاعاً وتمتعوا بروح قوية ومساندة في هذه المحنة، وتسابقوا على فعل الخير والواجب الأخلاقي، في مختلف المجالات الممكنة، مثل الدعم النفسي والإسعافات الأولية وتوزيع المواد الإغاثية بجميع أنواعها وقضاء الوقت الطويل في التنسيق كي لا يُحرم أحد من المساعدة مهما كان شكلها واحتياجها، وكان لجمعية بيت القصيد دورها البارز في مساندة الشباب على المتابعة، واللهم السلام لسورية وأبطالها وأهلها.