الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

مُثول

عبد الكريم النّاعم

في أزمنة الكوارث ثمّة ظواهر سلوكيّة قد لا تجد فسحتها المناسبة للظهور، وفيها ملامح من القول الذي تتّفق عليه جميع عقائد المنطقة التي نحن فيها، والذي مَفاده أنّ الإنسان إذا ارتقى وشفّ في أخلاقه وسلوكه ارتقى إلى مصاف الملائكة المقرَّبين المُكرّمين، وإذا تدنّى كان أكثر وحشيّة من الوحوش المفترِسة.

على أثر الزلزال الذي ضرب الجارين، سورية وتركيّا، انتشر بعض الوحوش البشريّة يقتحمون الأماكن المدمَّرة بقصد النّهب والسّرقة، في سورية كما في تركيّا، وهذا يدلّ على أنّ الوحشية الصادرة عن أناس لهم صورة بشر، وقلوب وحوش هي واحدة في كلّ مكان.

جارنا الأخ الشقيق للاعب الدولي لكرة القدم، المرحوم نادر الجوخدار، مدرّب فريق جبلة.. ذهب إلى جبلة لانتشال جثمان أخيه وابنه، ففوجئ بالسّرّاق يقتربون من البناية المدمَّرة، كالوحوش التي تشمّ رائحة فريستها، فأشهر مسدّسه وطردهم.

سألتُ ابني عن الحادثة فأكّدها إذ سمعها من فم ذلك الأخ، وأضاف أنّ أهالي جبلة قد ألقوا القبض على بعض هؤلاء المنحطّين، فعّروهم إلاّ ممّا يستر العورة، وربطوهم إلى أعمدة الكهرباء في هذا الزمهرير، وتركوهم لمواجهة مصيرهم، فقلت له إنْ صحّ هذا، فهو ما يجب أن يكون، جزاء وِفاقا.

*******

أثارت الزلزلة التي وقعتْ في سورية وتركيا مسألة السدود التي أقامتها تركيّا، وذُكر على صفحات التواصل الاجتماعي، من مُتابعين مؤهَّلين علميّاً، أنّ ثمّة مَن نبّه الأتراك إلى أنّ هذه السدود بما تحمله من ضغط على الأرض سوف تؤدي إلى تنشيط الزلازل حتماً، لأنّها لا تحتمل كلّ هذا الضغط من سدود الماء، وأُبْلِغ ذلك لصندوق النّقد الدولي الذي قدّم التمويل اللاّزم لإقامة تلك السدود، فتجاهل الأمر لأنّ ما يهمّه هو الربح، وتنفيذ إرادة الإدارة الأمريكيّة، وكلاهما لا يفكّران بمصير البشر، بل بالمزيد من الحصول على المال، فهما في موقف أخلاقي في منتهى السقوط، والوحشيّة، ورافق ذلك أن الجار التركي قد تجاهل هذه المخاطر، وفكّر بما سيسقيه من أراضٍ صالحة للزراعة، وبما سوف يجنيه من أموال، وأثناء ذلك منعت تركيّا أن تصل إلى سورية والعراق حصّتهما من مياه الفرات، والتي نصّت عليها الاتفاقيات الدوليّة، ولم تجدِ كلّ المحاولات التي بذلها السوريون والعراقيون للحصول على حقّهما بماء الفرات.

تُرى هل يمرّ كلّ هذا، ويعطش الناس، والأرض، والبهائم والنباتات، دون أثمان؟!!

نأمل أن تكون الكارثة جرس إنذار وتنبيه لضرورة أن يُرعى حقّ الجار.

*******

الفنّان التشكيلي موفّق مخّول، والذي لا أعرفه شخصيّاً، ولكنني معجَب بما يفعله، فهو الذي، مع ورشته الفنيّة، زيّن جسر الرئيس في دمشق، وحوّل في عدد من الحدائق الأشجار اليابسة إلى لوحات فنيّة رائعة، وهو الذي زيّن جدران وزارة التربية، فحوّلها إلى لوحة رائعة، هذا الفنان، أعلن بعد الزلزال عن استعداده لتربية طفلين من الذين فقدوا أهلهم، ودون أن يتدخّل في اعتقادهم الديني.

يا إلهي.. لقد هزّني هذا الموقف هزّاً عنيفاً، بوركتَ أيّها الإنسان العابر للمذاهب والطوائف والأديان.

aaalnaem@gmail.com