تحقيقاتصحيفة البعث

الأرشمندريت شطاحي: الكنيسة شريكة في آلام المصابين و30000 مستفيد من الاستجابة الطارئة

دمشق – رامي سلوم

طمأن الأرشمندريت ملاتيوس شطاحي، مدير دائرة العلاقات المسكونية والتنمية التابعة لبطركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذوكس، بأن مشاريع ترميم ما ألحقته كارثة الزلزال من أضرار بدأت تأخذ صيغتها النهائية بعد أقل من أسبوع على الكارثة، لافتاً إلى أن الدائرة ستشارك في ترميم ما يزيد على 1600 مسكن وبناء متضرّر، مع إمكانية زيادة هذا العدد وفقاً لنتائج المناقشات مع الشركاء في المنظمات الإغاثية والدولية الداعمة.

كذلك تدرس الدائرة مع الشركاء في المحافظات قائمة بنحو 522 مدرسة متضرّرة ستتم المشاركة في إعادة تأهيلها، علماً أنه تم تقديم منح سكنية لمتضررين من خلال تأمين بدل الإيجار لمدد تتراوح بين 3 – 6 أشهر، ضمن الاستجابة الطارئة للكارثة، وفقاً لشطاحي.
وأضاف شطاحي: إن الدائرة تعمل بالتعاون مع 18 شريكاً دولياً منهم وكالات أمم متحدة ومنظمات دولية، قدّم نحو سبعة شركاء منهم مساهمته في مشروعات الترميم والإغاثة وسبل العيش، عدا النتائج الكبيرة للنداء الإغاثي الذي أطلقه صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر وتشكيل الهيئات العليا للإغاثة في الأبرشيات، التي عزّزت الدعم الإغاثي اللحظي، وساهمت بشكل كبير في تكاملية العمل الإغاثي الفوري، مع مشاريع التعافي التي تتطلب وقتاً للدراسة والتقييم والتمويل.
وفي حوار خاص مع “البعث” أوضح شطاحي، أن خدمات الدائرة لا تختص بفئة محددة ويتم تقييم الحالات المستحقة للمساعدة على أساس إنساني، موضحاً أن الدائرة منظمة إنسانية تعمل وفقاً لقوانين وأنظمة المنظمات في ظل الكنيسة، وتقدّم خدماتها لجميع المتضررين وفق معايير إنسانية وتقييم للحالات الأشد احتياجاً، بمعزل عن معتقداتهم وانتماءاتهم أو عرقهم، مبيّناً أن الدائرة تقدّم خدماتها منذ عقود في مناطق لا توجد فيها أية كنيسة أو أفراد من رعيتها بناء على دراسة أولويات الاحتياجات، ومنها بعض أرياف محافظة إدلب.
ووفقاً لشطاحي، وصل عدد المستفيدين من الخدمات المباشرة للدائرة إلى 30000 مستفيد متضرّر من كارثة الزلزال خلال الأيام العشرة الأولى للكارثة، فيما يُعرف بعمليات الاستجابة الطارئة، علماً أن عدد المستفيدين من خدمات الدائرة وصل إلى 6 ملايين شخص العام الماضي منهم 2.6 مليون حالة استفادة مباشرة، وذلك في جميع المناطق التي تخدمها الدائرة.

التمويل 
وكشف شطاحي أنه مع الساعات الأولى للكارثة، كان متطوعو الدائرة أول الواصلين إلى المناطق المتضرّرة برفقة عناصر الدفاع المدني وساهموا في إزالة الأنقاض وعمليات وإخراج العالقين تحت الركام وإزاحة الحطام بالأيدي قبل وصول المعدات والأدوات، لافتاً إلى بلوغ عدد متطوعي الدائرة المشاركين في عمليات الإغاثة خلال الساعات الأولى، نحو 400 متطوع منهم 70 متطوعاً في محافظة حلب و250 متطوعاً في محافظة اللاذقية و80 متطوعاً في محافظة حماة، ومؤكداً أنه تمت تلبية الاحتياجات الإغاثية الإسعافية للمتضرّرين منذ الساعات الأولى.
وتابع: تم إرسال الحوالات المالية اللازمة إلى مراكز الدائرة للتمكن من خدمة عمليات الاستجابة وتأمين ما يلزم، منوهاً إلى أنه مع بداية العام الجاري 2023 أبلغ الشركاء الدوليون الدائرة أن خطط دعم المجتمع السوري لم تعُد ضمن الأولويات، ما قلّص تمويل مشروعات الدائرة، علماً أن الدائرة كانت تصرّ في نقاشاتها مع شركائها على أهمية استمرار الدعم، وأن الحالات في تزايد مستمر، وأن الحاجة لا تزال ملحّة لاستمرار البرامج التنموية والعمل الإغاثي، علماً أن الدائرة تعمل وفق التزامات مالية محدّدة مع الشركاء ويتم تقديم الدعم لكل مشروع وفقاً للتقييم والدراسة المقدمة، بحيث تعدّ الأموال بمنزلة تمويل لمشروع محدّد وتختلف سبل إنفاقها عن واقع التبرّعات.

اللجنة العليا للطوارئ 
وأشار شطاحي إلى أنه واستجابة لتداعيات وآثار الزلزال المدمّر، أطلق صاحب الغبطة يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذوكس النداء الإغاثي، الذي كان له دور كبير في تقديم الدعم الإغاثي الإسعافي، مبيّناً أن عمل الدائرة إغاثي منظم ملتزم ببنود محدّدة ومجالات إنفاق وخطط، ويأتي التمويل لكل مشروع وفق البنود المتفق عليها، وضمن التزامات محدّدة مع المنظمات الدولية وأوراق وثبوتيات مالية وغيرها من الأعمال الإدارية.
أما النداء الإغاثي فلا يحمل أية التزامات تجاه المنظمات، بحيث تكون الأموال هي أموال تبرّعات، وليست تمويلاً لمشروعات محدّدة، وبالتالي رفع النداء الإغاثي من مستوى تلبية الاحتياجات الضرورية الإغاثية بالسرعة القصوى.

الخبرة 
وأكد مدير دائرة العلاقات المسكونية أن الخبرة الطويلة في العمل الإغاثي مكّنت الدائرة من التعامل بتنظيم مع الاحتياجات منذ اللحظة الأولى، وتأمين المتطلبات الأساسية وفقاً لخبرتها في التعامل مع حالات النزوح والإيواء والمتطلبات النفسية، ومعايير الإغاثة الإسعافية، وخصوصاً أن الدائرة بدأت العمل في المجال الإغاثي منذ عام 1994، في الوقت الذي لم يكن فيه مفهوم منظمات العمل الإغاثي والإنساني موجوداً بصورته الحالية، حيث قدّمت الإغاثة اللازمة للاجئين العراقيين حينها، كما كانت أول المنظمات الإنسانية التي دخلت الميدان الإغاثي خلال سنوات الحرب على سورية.

وقال شطاحي: وبناء على الخبرة والكوادر لمؤهلة، بدأت الدائرة الاستجابة الإسعافية السريعة للكارثة منذ الساعات الأولى، ولا تزال تلبيتها للاحتياجات يومية، حيث “بلغ عدد المستفيدين من خدمات الدائرة نحو 30000 مستفيد مباشر منهم نحو 20 ألفاً في محافظة اللاذقية وسبعة آلاف في محافظة حلب وثلاثة آلاف في محافظة حماة”، وأرسلت الدائرة أربع شاحنات كبيرة “برادات” من المساعدات لمحافظة اللاذقية وثلاثة برادات أخرى لمحافظة حلب خلال الأسبوع الأول ضمن عمليات الاستجابة الطارئة للزلزال، لافتاً إلى مشاركة الأبرشيات في لبنان بتقديم الدعم اللازم استجابة لتوجيهات صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر.

التنظيم
وأكد مدير دائرة العلاقات المسكونية أن حضور الكنيسة على الأرض قوي ومؤثر، حيث افتتحت قاعات الكنائس أبوابها لإيواء المتضررين، وتقديم كامل الخدمات لهم، فضلاً عن تقديم أوجه الدعم الممكنة من الدعم النفسي حتى برامج إعادة التأهيل وسبل العيش وإعادة الحياة إلى طبيعتها، مشيراً إلى أهمية التنظيم وفعاليته في العمل الإغاثي، ومشيداً بالتنظيم الذي رافق الاستجابة منذ اليوم الأول، ولافتاً إلى أن اليوم الأول للكارثة شهد عمليات دعم كبيرة من المجتمع قبل بداية تنظيمها، وقدّم الناس كل شيء ممكن للمتضررين حتى وصل الأمر إلى زيادة كبيرة في كميات الطعام والألبسة، وزادت الكميات المقدّمة عن الحاجة، غير أن استيعاب الصدمة من المعنيين بالعمل الإغاثي، وبدء التنظيم الدقيق للعمل ساهم في استمرارية الموارد وحسن استخدامها بالطريقة الأمثل، وهو الأمر الذي كان مرتباً ومطبّقاً بحرفية وانتظام منذ اليوم الثاني للكارثة.
وفي هذا السياق قال شطاحي: لقد تم تقسيم المناطق المتضررة إلى قطاعات، وكذلك مراكز الإيواء ورصد الاحتياجات وتأمينها بتنسيق مستمر بين المنظمات ولجان المحافظات، معتبراً أن التنظيم الحالي عملي ودقيق ويحقق مصلحة المتضررين، كما يمكِّن الكوادر الإغاثية والمنظمات من العمل بسهولة، ويتيح تأمين كل المستلزمات.
ووصف شطاحي حجم الضرر بالكبير للغاية، غير أن المنظمات الإغاثية والتنظيم الجيد، وإقدام الناس على العطاء وتقديم كل شيء أعاد الأمور إلى السيطرة، معتبراً أن لهفة الناس على بعضهم وما قدّموه من أرقى مظاهر المحبة والعطاء، وكذلك العاملون في الشأن الإغاثي قدّموا كل طاقاتهم لتأمين المتضرّرين، وكانوا خير مثال على الإنسانية وروح العطاء التي يتحلى بها الناس رغم تجاربهم المريرة في بعض الأحيان.

الترميم
وطمأن مدير دائرة العلاقات المسكونية المتضررين، إلى أن مشاريع الترميم بدأت تأخذ صيغتها النهائية، وأن الدائرة وقّعت أول اتفاقية مع المنظمات والشركاء لترميم نحو 800 مسكن ومبنى، بمساعدة 7 شركاء للدائرة، وأن هذا العدد سيتضاعف على أقل تقدير خلال الأيام المقبلة ومع استمرار المناقشات مع الشركاء، موضحاً أن عمليات التقييم الفني ستنجز قريباً، حيث كانت الجهود في الأسبوع الأول تتجه إلى عمليات الإغاثة الطارئة، أما اليوم فيعمل جميع الشركاء على تخطي آثار الأزمة والتوجّه لما يُعرف بمرحلة التعافي وإزالة الآثار.
وبيّن شطاحي أن الدائرة بدأت ضمن عمليات الإغاثة الطارئة، بتقديم منح أو التكفل ببدل الإيجار للمتضررين، لمدد تتراوح بين 3-6 أشهر وفقاً لطبيعة كل حالة ومدى تضرّر البناء الخاص بها، وقابليته للترميم.
ووفقاً لشطاحي، بدأت الدائرة والجهات المعنية بمناقشة مشاريع التعافي المبكر منذ الأسبوع الأول بعد الكارثة، حيث يتم التنسيق لقائمة من 522 مدرسة متضرّرة لترميمها، مشيراً إلى أن بعض أعمال الترميم بدأت بالفعل، غير أن مشاريع الترميم ستبدأ خلال نحو شهرين من الآن وفقاً للتقييمات والخطط، والدائرة ستتكفل بترميم عدد من تلك المدارس ضمن برنامج سبل العيش الخاص بالدائرة لاستمرار تأمين التعليم للأطفال المتضررين في مناطقهم.
وأوضح أن الدائرة لا يمكنها العمل في المجالات الإنشائية وما يسمّى إعادة البناء، وكذلك بقية المنظمات التي تُعنى بترميم الأبنية المتضررة بعد انتهاء الكشف الفني، أما بالنسبة لعمليات البناء فتعمل عليها الجهات الحكومية، مؤكداً أن الدائرة بصدد إطلاق جملة من برامج سبل العيش وتمكين المتضررين من استعادة حياتهم الطبيعية خلال وقت قريب.

التدخل النفسي 
وفي السياق، أشار شطاحي إلى أن الدائرة من أقوى الشركاء في الدعم النفسي، وأن الكوادر المتخصصة بدأت تدخلها النفسي في جميع المناطق وتم إنشاء مساحات صديقة للطفل في حماة واللاذقية، وتمّت ملاحظة آثار الصدمة والوضع النفسي لهم، ووضع البرامج بإشراف المختصين والأطباء النفسيين.
وبسبب الحاجة الكبيرة بدأت الدائرة منذ اللحظة الأولى دورات لكوادرها في كيفية التعامل مع المتضررين وحاجاتهم النفسية، وخصوصاً أن عملية الإسعاف النفسي الأولي يمكن أن يقوم بها أشخاص مدرّبون ولا تحتاج إلى أخصائيين أكاديميين في المرحلة الأولى، وذلك بناء على مجموعة معلومات وتدريبات يلتزمون بها.
ومن أهم تلك المعايير والإرشادات التي تم تقديمها للفريق، كيفية تعامل المتطوّع مع نفسه ومع المحيط، وأن يعمل على منح المتضرر الأمان النفسي أولاً، وتأمينه للوصول إلى المستشفى، أو مركز الإيواء وفقاً للحاجة، وجميع احتياجاته الأخرى، إضافة إلى الاستماع الجيّد للمتضررين وتفهّم مشاعر الخوف والاضطراب، من دون اللجوء لإعطاء آمال كاذبة أو وعود وهمية حتى لا يؤثر ذلك في المصاب في المراحل اللاحقة للأزمة.
وقال شطاحي: بالتأكيد الآثار ستكون شديدة وخصوصاً مع التفكير المستمر بالواقع والخسائر وفقدان الأعزاء، كل ذلك من شأنه أن يؤدّي إلى أضرار نفسية جسيمة في حال عدم التدخل السليم والعلمي، وتحفيز الأشخاص على التفكير الإيجابي ومعرفة واقعهم مع العمل على تغييره، وتقديم كامل التفهّم لحالاتهم.

الدعم النفسي للمتطوعين
وبالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي لضحايا الزلزال، بدأت دائرة العلاقات المسكونية في تقديم الدعم النفسي لمتطوعيها بسبب ما عانوه وشاهدوه من واقع الكارثة والأضرار النفسية والألم النفسي الذي أصابهم في تجربتهم الصعبة التي أثرت فيهم بشكل بالغ، وفقاً لشطاحي، الذي لفت إلى أن أهم أسس الدعم النفسي للمتطوعين معرفة واجباتهم وعدم تحميل أنفسهم مسؤولية الكارثة أو الخسائر خلال عمليات الإنقاذ، مشيراً إلى أن بعض الحالات النفسية للعاملين في الإغاثة تنطلق من لوم المتطوع نفسه وإحساسه بالذنب والتقصير لعدم تمكّنه من تغيير مصير الضحايا وإنقاذهم وهو الأمر الخارج عن إرادته بكل تأكيد.
ولفت شطاحي إلى أن الدائرة تضمّ 1600 متطوع، وهو في حدّ ذاته أحد أنواع الدعم الاجتماعي وتعزيز سبل العيش للأسر من خلال الأجور الجيدة نسبياً التي تُمنح للمتطوعين، ودورات التأهيل والإعداد الدائمة والمستمرة في مختلف المجالات التي تحقق لهم تطويراً ذاتياً ومهنياً، وترفع من كفاءتهم.