صحيفة البعثمحليات

على السكة الصحيحة.. ولكن؟!

معن الغادري

أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً، هو مثل ينطبق تماماً على مجمل ما يتمّ اتخاذه من إجراءات وتدابير احترازية من الجهات الحكومية، عقب زلزال 6 شباط المدمّر. ولعلّ التجربة المريرة التي مررنا بها خلال ما فات من وقت على حدوث الزلزال ووقعه الصعب والمؤلم وغير المحسوب ضمن أجندات العمل المؤسّساتي، وضع الجميع دون استثناء أمام خيارات محدّدة، لا تقبل المداورة والتأجيل، لجهة التعاطي المستقبلي مع الكوارث الطبيعية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات استباقية تساعد على التخفيف ما أمكن من خسائر بشرية ومادية، وبالتالي التعاطي مع أي حالة طارئة شبيهة بالزلزال أو أي حادث لا قدّر الله، بطريقة احترافية ومهنية، مع شرط توفر الخبرة والإمكانات الفنية والتقنية، وهو ما يتطلّب الاشتغال عليه وعلى وجه السرعة -راهناً ومستقبلاً- لعلّنا نستفيد من الدروس ونستخلص العبر من رحم المعاناة والكارثة الإنسانية التي سبّبها الزلزال.

ولعلّ الجميع يتفق أن أحياء ومناطق واسعة في حلب، وربما في باقي المحافظات، تعاني من قدم أبنيتها وهشاشة أساساتها، لأسباب عدة، منها عدم توافر شروط السلامة العامة، والالتزام بقواعد ومعايير – كود البناء السوري – عدا عن أن معظم هذه المناطق، وهي الأكثر تعداداً والأوسع مساحة في حلب – توصف بالمناطق العشوائية – هي أبنية طابقية عالية ومتلاصقة ومتداخلة، وهي وفق كلّ الدراسات الفنية وعمليات المسح التي أجرتها الشركة العامة للدراسات الهندسية سابقاً، لا تصلح للسكن وتشكّل خطراً على ساكنيها، وهي بالأساس أبنية غير مرخصة وشُيّدت قديماً وحديثاً بعيداً عن أعين رقابة مجلس المدينة أو بعلم مديرياته الخدمية لا فرق، وهو ما كشفت عنه كوارث انهيارات الأبنية في حلب سابقاً قبل زلزال شباط، وراح ضحيته عشرات الضحايا من المواطنين!

ونجد أن التعميم الأخير الصادر عن محافظة حلب والذي شدّد بموجبه على عدم السماح بإجراء أي أعمال ترميم لأي بناء دون الحصول على تقرير فني من قبل اللجان المعتمدة، والتشدّد في منح الرخص وموافقات البناء يشكّل خطوة أولى على السكة الصحيحة، إلا أن هذه الإجراءات تبقى منقوصة، إن لم تضع وزارة الإدارة المحلية بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية خطة عمل ضمن مشروع وطني توصّف وبشكل دقيق واقع هذه العشوائيات الأكثر خطراً وتهديداً ما بعد الزلزال، والبدء فوراً بإزالتها وتأمين مساكن بديلة مؤقتة لسكانها لحين بناء هذه المناطق، وبما يتوافق مع معايير وشروط الكود السوري للبناء، دون إغفال فتح ملف محاسبة التّجار ومقاولي البناء، ومن ساعدهم في المتاجرة بأرواح الناس.