لماذا هذا العداء الكندي للصين؟
عناية ناصر
كانت أوتاوا تتبع سياسة واشنطن تجاه الصين بإحكام شديد لدرجة أنها سقطت في جنون تفكير الحرب الباردة، والدبلوماسية القائمة على القيم، في تراجع عن سياسة خارجية براغماتية وعقلانية، وبهذا أصبحت كندا أكثر تشدداً تجاه الصين مؤخراً. لقد اتّبعت الولايات المتحدة في تضخيم حادثة “المنطاد المتجول” بشكل خبيث والانخراط في لعبة سياسية خرقاء أثناء استهداف الصين بوضوح.
وفي هذا الإطار، حرّك بعض السياسيين ووسائل الإعلام الكندية، في الأسابيع القليلة الماضية، مزاعم بأن الصين تدخلت في الانتخابات الفيدرالية الكندية والشؤون الداخلية للبلاد، وقالت أوتاوا مؤخراً إنها على علم بمحاولات المراقبة الجوية والبحرية الصينية التي أحبطها الجيش الكندي. ورداً على هذه الاتهامات والمزاعم، أصدرت الصين عدة ردود قوية وصحيحة على هذه التصريحات والإجراءات العدائية من قبل كندا، دحض من خلالها المتحدث باسم السفارة الصينية في كندا، الادّعاء المتعلق بتدخل الصين في الشؤون الداخلية لكندا، واصفاً إياه بأنه “مجرد تشهير وافتراء”، معرباً عن الاستياء الشديد والمعارضة القوية لهذه المزاعم.
قدّمت الصين أيضاً شرحاً مفصلاً لحادثة المنطاد، لكن كندا ما زالت تبالغ في ردّ فعلها، وقد وصلت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها، بسبب عدم وجود توافق سياسي، كما لم يتمكّن التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين من اختراق عنق الزجاجة، بالإضافة إلى مواجهة البلدين مأزقاً في المشاورات حول القضايا الدولية الرئيسية. وقد أظهرت أوتاوا ميلاً واضحاً لتقديم موقف عدائي بشكل متزايد تجاه الصين منذ إطلاق استراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ، وهي رؤية مليئة بالاستفزازات، فهي تصف الصين بأنها “قوة عالمية مزعزعة للاستقرار بشكل متزايد”. لكن من الواضح أن معاملة الصين على أنها تهديد وتحدّ كانت وستظلّ النغمة الرئيسية السائدة، كما بات جلياً أن الدافع وراء هذا العداء هو الولايات المتحدة التي تنشر فكر الحرب الباردة، و”الدبلوماسية القائمة على القواعد”. ونتيجة لذلك، يعاني العديد من حلفاء الولايات المتحدة من “تغيير مرضي” في سياسته الخارجية، ويتصرف تجاه الصين بشكل هستيري ومندفع.
وبسبب تأثير واشنطن، تخلّت كندا عن الاستقلال والاعتبارات العملية في دبلوماسيتها، حيث يُغذي التحيّز الأيديولوجي المزيد من الانقسام، انطلاقاً من رؤية أنانية لواشنطن للحفاظ على هيمنتها على حساب حلفائها.
تحتاج أوتاوا إلى فهم حقيقة أنها تدفع، في ظلّ تصورها الخاطئ الحالي للصين، ثمن طموحات الولايات المتحدة، وإذا استمرت العلاقات بين الصين وكندا في طريق مسدود دون أي تحسّن كبير، فإن مثل هذا الوضع يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة.
وفي هذا الخصوص، قال ياو بينغ، نائب الأمين العام لمركز الدراسات الكندية، التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من التوترات الحالية في العلاقات الصينية الكندية. واستناداً إلى ذلك ستعتمد كندا أكثر على واردات الولايات المتحدة، وستصبح جزءاً مهماً من إعادة هيكلة الولايات المتحدة لسلسلة التوريد الخاصة بصناعة التكنولوجيا الفائقة، الأمر الذي سيؤدي إلى سيطرة واشنطن على كندا في العديد من المجالات.