مداواة النفوس في طريق منحوس
غالية خوجة
يختلفُ مفهوم الدعم بين التنظير والتطبيق، بين المواطن والإدارات، ولأننا بحاجة للدعم الإيجابي بعيداً عن “الدعم” السلبي، فلا بدّ من تنسيق واضح للإجراءات والفعالية بين الجهات المعنية، ليتمّ التشبيك الفاعل نظرياً وميدانياً في زمن دمّر الذكريات والأمكنة وهزّ النفوس والبيوت والآثار والأزمنة.
والملاحظ أن شهامة المواطن انتسجت مع شهامة المجتمع في أحلك اللحظات والسنوات العجاف وظلاميتها وزلزاليتها، لكن، ماذا عن دور الجهات المعنية؟
يجيبنا الواقع بحياديته ومعاناته وآلامه كيف أن الجهات المعنية لم تصل إلى منهجية محددة لإنقاذ هذا الواقع المستمر بطارئيته كمصلحة عامة لا تحتمل التأجيل، ولم تنتهج مبدأ المتسرعات المستدامة، لتخفّف عن الناس مصاباتهم الأليمة، ونتساءل: كيف يُغمض لنا جفن بينما المجتمع يعاني ما يعاني من آلام ونزوح وويلات أكملها الزلزال المدمّر ليكون المواطنون في الشوارع أو الحدائق أو المقابر أو مراكز إيواء طارئة بلا فضاء إنساني مناسب؟!
أكثر من شهر، ولا حلول جذرية. والمستغرب ألاّ تقف أغلب الجهات الإدارية والهندسية مع المواطن، بل تراها فرصة للكسب على حسابه، فلا تقدّم جهودها كمساهمة تبرعية وطنية، بل كخدمة مأجورة، وهنا، نتساءل: ما الفرق بينها وبين تجار الحروب والأزمات والكوارث؟!
وهل يعقل أن يكون هناك كشف مبدئي مجاني على المباني، قد يكون خاطئاً، ليكون هناك كشف ثانٍ مأجور؟! لماذا؟ ومن المستفيد؟ وما الغاية والأهداف القريبة والبعيدة لهذه المدارات السلوكية غير الرحيمة في أقسى الظروف التي تنال من مواطن منكوب؟
وكيف لبعض التقارير العاجلة والضرورية ألاّ تصل لأصحابها المطالبين بها بإلحاح إلاّ بعد 22 يوماً من تاريخ صدور هذا الكشف؟ وهل يعقل أن يكون هناك كشف لا مسؤول؟! مثلاً، المبنى بلا سكان، رغم أن سكانه لم ينزحوا منه؟ ومواصفاته الإنشائية ليست معدنية ولا خشبية ولا أطر بيتونية ولا حجرية بل غير ذلك؟! ربما يقصد الموقّع على الكشف بأنه من مواد بلاستيكية مثلاً! وهل يعقل أن يكون هناك تقرير سلامة مغرض لمجرد أن بعض السكان اختلفوا مع المعنيّ حول بعض الأمور؟
بالتأكيد، لا أعرف الإجابة، لكنه المشهد الواقعي الملموس، المتباطئ في الحلول والاستيعاب والتخطيط ومداواة النفوس الحاملة للفانوس، الماضية في طريق مزلزل ومنحوس، وحدها، دون دعم إيجابي معنوي ومادي.. والله المستعان.
وهل يعني الدعم النفسي للأطفال واليافعين أن نجمعهم على ألعاب وترفيهٍ فقط؟ أم علينا أن نقدّم لهم من خلال اللعب المعلومات النفسية والبنائية والمعرفية والعلمية ليصبحوا أقوى بعد تأقلمهم مع ما حدث من الأحداث، وندرّبهم على كيفية التعامل مع الفقد والكوارث، ليكونوا متناغمين مع بناء ذواتهم بعيداً عن الارتجاج، ثم، ليكونوا فاعلين في المنظومة المجتمعية الإنسانية؟
الواقع يحتاج إلى كشف عن سلامته العقلية والأخلاقية والسلوكية، كما يحتاج إلى تطبيق القانون على الجميع، وإلاّ فإننا بعيداً عن المجاملات والمديح والنفاق، سنظل في هذه الحفرة التي تتعمّق نحو الأسفل يوماً بعد يوم.