رغم الخراب الكبير.. سورية والعراق صامدان
سمر سامي السمارة
تتزامنُ الذكرى العشرون للحرب الأمريكية على العراق مع الذكرى الثانية عشرة للهجوم الأمريكي على سورية لتكرار المحاولة نفسها، وعلى الرغم من أن النقاط المشتركة بين آذار 2003 وآذار 2011 كثيرة، بيد أن الحقيقة أبعد من ذلك، والخطط الموضوعة لم تكن وليدة اللحظة.
في الواقع، بدأت محاولات تدمير البلدين الشقيقين، في عام 1996، بوثيقة بعنوان “الكسر النظيف: إستراتيجية جديدة لتأمين المملكة (إسرائيل)”، قدّمها يهودي أميركي من رموز المحافظين الجدد، ومن مهندسي غزو العراق، شديد الإخلاص للكيان الإسرائيلي، وعميق العداوة للعرب، ويلقب بأمير الظلام بسبب معارضته لاتفاقية حظر الأسلحة، وقد ضُبط متلبساً بتسريب وثائق سرية إلى “إسرائيل”.
قام ريتشارد بيرل بتأليف وثيقة “الكسر النظيف”، وعلى الرغم من أنه كان يخضع لاختبار أثناء العمل على خطط حساسة وسرية للغاية للولايات المتحدة، وأن يكون ولاءه للولايات المتحدة، إلا أن ولاءه كان في مكان آخر.
سلم بيرل الوثيقة لبنيامين نتنياهو، الذي كان قد انتُخب رئيساً لوزراء “إسرائيل”، وعرض فيها الأسباب التي تدعو الولايات المتحدة للقيام بالهجوم على العراق وسورية وتدميرهما. وبعد تولي الرئيس بيل كلينتون منصبه، عُرضت عليه الوثيقة لاتخاذ إجراء بشأنها، لكنه رفض. وبعد تفجير مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك في 11 أيلول 2001، كان الوقت قد حان لنفض الغبار عن الوثيقة كما ادّعى بيرل الذي كان يجد مع زملائه في الرئيس جورج دبليو بوش شريكاً متعاوناً.
كان بيرل رئيس مجلس السياسات الدفاعية، وكان مسؤولاً عن تقديم الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تهاجم دولاً أخرى، فليس من مهام وزارة الدفاع الأمريكية رسم السياسات، لكن يُطلب من أعضائها ببساطة الإفادة عما إذا كان يمكن تنفيذ هجوم مخطط بنجاح أم لا. لذا لا يمكن أن تُعزى مسؤولية الحروب والهجمات التي تشنّها الولايات المتحدة إلى البنتاغون فحسب، بل يتحمل مسؤوليتها المكتب البيضاوي، ووزارة الخارجية، ووكالة الاستخبارات المركزية، ومجلس السياسات الدفاعية.
على الرغم من أن هجوم الحادي عشر من أيلول تمّ تنفيذه بأوامر من أسامة بن لادن، زعيم تنظيم “القاعدة”، لكن الخديعة كانت تكمن في كيفية ربط إدارة بوش “القاعدة” بصدام حسين، حيث قال مدير الاستخبارات المخابرات المركزية، جورج تينيت، لبوش مراراً وتكراراً إنه لا توجد صلة.
كانت الإستراتيجية الثانية لإدارة بوش تكمن في خلق ذرائع لغزو العراق على أساس امتلاك صدام حسين “أسلحة الدمار الشامل”، وهي الحجة التي دعمتها وكالة الاستخبارات المركزية بالرغم من عدم استنادها إلى أي حقائق. وعندما سُئل تينيت عن أسلحة الدمار الشامل، أجاب: “سنجدها عندما نصل إلى هناك”. وقد ثبت أن تلك الحجج ما هي إلا أمنيات، حيث لم يتمّ العثور على أسلحة دمار شامل من قبل الآلاف من الجنود الأمريكيين المسلحين وذوي المهارات العالية الذين قاموا بتمشيط كل زاوية وركن في العراق على مدى سنوات.
والسؤالُ الذي يطرح نفسه: كيف أصبح الرأي العام الأمريكي والكونغرس يصدقون أكاذيب إدارة بوش؟.
من الواضح أنه تمّ تحقيق ذلك بواسطة وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية، حيث قامت إدارة بوش بتقديم معلومات كاذبة إلى صحفيين رئيسيين في أكثر وسائل الإعلام شهرة. ولم يكن الصحفيون قادرين على التحقق من المعلومات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، ورفضوا الكشف عن مصادرهم التي حصلوا عليها من كبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية. لذا فإنه من المؤكد أنه، بدون تواطؤ وسائل الإعلام، لم يكن من الممكن تصديق قضية خوض الحرب في العراق.
الأحداث التي سبقت اليوم الأول للقصف في بغداد كانت تتكشف بسرعة كبيرة، حيث كان هانز بليكس، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومفتش الأسلحة السابق في حرب العراق، عائداً إلى فندقه في بغداد عندما أعلن بوش للعالم على شاشة التلفزيون أنه سيأمر ببدء القصف خلال 24 ساعة.
أصيب بليكس بالصدمة عندما تمّ توجيه الميكروفون إليه عند مدخل الفندق. بداية لم يصدق، وكرّر نتائج زياراته للعديد من المواقع في العراق، والتي تؤكد أن صدام لا يمتلك أسلحة دمار شامل. لكن هذا لم يمنع القصف من البدء في الوقت المحدّد، فبينما كانت القنابل تتساقط على بغداد، عاد بليكس إلى مدينة نيويورك لتسليم تقريره المفصل إلى بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، والذي أوضح أن هجوم بوش كان مبنياً على كذبة.
لم تكن الولايات المتحدة وحدها التي قصفت العراق، فقد شاركتها المملكة المتحدة والعديد من حلفائها في الناتو في حرب بوش على العراق، وكلهم يتحملون المسؤولية عن مشاركتهم في حرب غير مبررة أودت بحياة الملايين.
وكان العامل الآخر في قرارهم اتباع خطى الولايات المتحدة إيمانهم بأن الولايات المتحدة كانت “القوة العظمى” الوحيدة.
عندما صاغ بيرل وثيقة “الكسر النظيف” في عام 1996، كان من ضمنها الهجوم على سورية، والعمل على فكرة “2 مقابل 1”. أي اقضِ على كلّ من العراق وسورية في الوقت نفسه، وستكون “إسرائيل” مكاناً أكثر أماناً. وبمجرد تورط دونالد رامسفيلد في التخطيط لهجوم 2003 على العراق، نصح بعدم إدراج سورية، واستند في هذا القرار إلى صعوبة تحقيق مثل هذا الهدف، والتركيز فقط على تدمير العراق. في ذلك الوقت، لم تتعرّض سورية للهجوم، كما أن الحرب المجاورة لم تمتد عبر حدودها، لكن كان عليها أن تستقبل مليوني لاجئ عراقي.
بدأت خطط تدمير سورية في وثيقة بيرل عام 1996. وبحلول آذار 2011، كانت إدارة الرئيس أوباما قد بدأت بالفعل في خططها لإنشاء “شرق أوسط جديد”، حيث استعان أوباما بحلف شمال الأطلسي للمساعدة في احتلال ليبيا. كان غزو الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي لليبيا بمثابة مقدمة للهجوم على سورية الذي استخدمت فيه مجموعات متطرفة داخلياً، ثم تمّ استبدالها لاحقاً بإرهابيين دوليين متطرفين، مثل “القاعدة” و”داعش”.
نتيجة لهذا الغزو، أصبح العراق اليوم بلداً مدمراً، ولا تزال مناطق واسعة منه بلا ماء أو كهرباء أو رعاية طبية، ودمرت بنيته التحتية. أما في سورية، فهي مستمرة في مقاومة هجوم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي حتى يومنا هذا، ويمكننا اليوم القول إنه بعد 12 عاماً من الحرب الجائرة على سورية، من المأمول أن تكون الأيام القادمة أكثر إشراقاً، وأن يبدأ فصل جديد من الأمن والازدهار في العراق وسورية.