التحالف الصيني الروسي.. تسونامي يجتاح ” العملة الخضراء”
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
أثارت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا، والمحادثات بين قادة البلدين، بالإضافة إلى الاتفاقيات الموقعة والتقارب المتنام الذي تشهده العلاقة مدفوعاً بشراكة لا محدودة، اهتماماً كبيراً لدى وسائل الإعلام في الشرق الأوسط، حيث سارع المراقبون بتحليل مجريات الحدث ونتائجه، فضلاً عن تأثيره على المنطقة والعالم، ومساهمته في تطوير العلاقات بين القوتين العظميين.
في هذا الصدد، سلط المعلقون الضوء على البعد التاريخي للعلاقات التي تربط موسكو وبكين، وتعود إلى سنوات عديدة مضت، عندما وقف البلدان معاً في مواجهة الغرب. ويتذكر أحد المحللين كيف استغلت واشنطن، في أوائل سبعينيات القرن الماضي “الثغرات” الموجودة في “الجدار الصيني” لإضعاف الاتحاد السوفييتي ومواقفه في السياسة الخارجية بحسب زعمها. ومع ذلك، يبدو أن القوتين العظميين تعلمتا من هذه التجربة.
مع أزمة أوكرانيا، دفعت واشنطن الروابط الاقتصادية والسياسية المعقدة بين أوروبا وروسيا إلى حافة الانهيار، ومع ذلك لم تنجح واشنطن بالرغم من مساعيها والجهود التي تبذلها في عرقلة العلاقات بين موسكو وبكين.
ويرى خبراء أن الرئيس الصيني الذي زار روسيا مؤخراً، يدرك أن هدف الغرب من التصعيد الحاد مع روسيا، لا ينفصل عن الصراع بين الولايات المتحدة والصين، ما يعني أن حرب أوكرانيا هي بداية لمزيد من الصراعات العالمية في المستقبل.
من الواضح، أن بكين تتفهم خصوصيات الخطة الإستراتيجية لواشنطن وحقيقة أنها تنظر إلى الصين كخصم محتمل بسبب “القوة الصينية الكامنة” . لذلك، تحتاج بكين لنظام دعم دولي يمكنها الاعتماد عليه في توفير الأدوات والموارد المحتملة في حالة نشوب صراع محتمل.
ووفقاً لإستراتيجية الولايات المتحدة المتمثلة بإشعال جميع الجبهات، فقد حشدت للمواجهة مع الصين وروسيا، ولم تستجب لتحذيرات بعض خبرائها، لذا لم يكن أمام الصين وروسيا خيار سوى تعميق شراكتهما الإستراتيجية.
وترى وسائل الإعلام الرئيسية أن الصين بحاجة إلى روسيا، مثلما تحتاج روسيا إلى الصين، خاصةً أن العديد من الدول تسعى إلى التخلص من الهيمنة القديمة للدولار الذي تستخدمه الولايات المتحدة للإكراه الاقتصادي للحكومات التي تعارض سياساتها، والذي يعتبر الأداة الأساسية للتأثير الأمريكي على العالم، وعلى الرغم من أن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها، إلا أن العملية في طور التنفيذ بالفعل.
لذا قام الجانبان الروسي والصيني بدمج علاقاتهما على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف من خلال الشراكات الإقليمية والدولية، لا سيما مع دول “البريكس”، ومنظمة “شنغهاي” للتعاون، وغيرهما. وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو، فقد تم التوصل في السنوات الأخيرة، إلى العديد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية التي تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار، حيث تعمل هذه الاتفاقيات كقناة للاقتصاد الروسي.
كما ينظر المعلقون العرب إلى القمة الأخيرة في موسكو من منظور نمو العلاقات الصينية العربية المتنوعة، فقد بات واضحاً، أن مركز الاقتصاد العالمي يتحول إلى الشرق نحو آسيا، و تتجه أسواق الطاقة في دول الخليج العربي من الغرب إلى الشرق، ويتم توجيه التدفقات الرئيسية من النفط والغاز إلى الصين والدول الآسيوية، وليس إلى أمريكا وأوروبا.
اليوم، أصبح ارتباط اقتصادات الدول العربية بالصين أكثر من أي وقت مضى، فقد تحولت الصين منذ عام 2020 إلى أكبر شريك تجاري لها، حيث حلت محل الاتحاد الأوروبي في هذا المجال.
ومن الجدير بالذكر، أن هذه الدول ترى في تطوير علاقاتها مع بكين عاملاً مهماً في تخفيف الضغط الأمريكي الغربي عليها. وللإشارة، فقد وجدت رعاية بكين لتوقيع الاتفاقية الأخيرة بين الرياض وطهران بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما صدىً ملحوظاً.
لذا يمكن التأكيد على أن مثل هذه الوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران، بالإضافة إلى الدور المهم والمساعي التي تقوم بها روسيا للعمل على تقريب وجهات النظر بين تركيا وسورية، وذلك من خلال إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية ومكافحة الإرهاب، يبرز بوادر مشروع صيني روسي يهدف إلى إرساء أسس جديدة للعلاقات الدولية في الشرق الأوسط، تختلف في الشكل والمضمون عما حاولت الولايات المتحدة القيام به، حيث تهدف الجهود الصينية الروسية إلى دفع المنطقة نحو التكامل والتسوية السلمية للخلافات.
يمكن للمرء أن يتأكد أن العالم بأسره يحتاج إلى علاقات ناضجة ومستقرة وقوية بين البلدين القويين، حيث يبحث البلدان وبصورة شمولية إلى مشاكل التي تواجه الكواكب من التجارة إلى العلاقات الاقتصادية، ويظهران تقييماً متطابقاً بشكل عام للمشاكل السياسية المتفاقمة في العالم والتي تتسبب بها واشنطن.
على المستوى الاقتصادي والمالي، من الواضح أن كلا البلدين يتحديان الدولار بشكل علني ومباشر، بهدف التحرر من هيمنة الولايات المتحدة على احتياطي العملات العالمية وفي التجارة، وخاصة في أسواق الطاقة. وبحسب محمد سيف الدين، المتخصص في شؤون الأمن القومي الروسي والعلاقات الروسية الأطلسية، سيؤدي نجاح هذه المهمة إلى نقطة تحول في ديناميكيات العلاقات الاقتصادية الدولية. وفي هذه الحالة، سوف يتسبب ذلك في حدوث “تسونامي” للعملة “الخضراء”، وسيكون بمثابة ضربة لها في ضوء حقيقة أن روسيا قررت بيع موارد الطاقة بالروبل، واستخدام العملات المحلية بنشاط في التجارة مع مختلف الدول الآسيوية.
في الفضاء الإعلامي للمنطقة، غالباً ما تُسمع فرضية الحاجة الموضوعية في العالم لإعادة تنسيق الروابط والسلاسل الجغرافية الاقتصادية، حيث يعتبر المعلقون أن زيارة شي جين بينغ وعلاقاته المتميزة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين تتويجاً للعلاقات الروسية الصينية. إنهم قادرون على إعطاء ميزات جديدة للنظام العالمي، الذي يتم تشكيله على عكس رغبة الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، في الحفاظ على النظام السابق.
يقول المختصون إن مثل هذا المنعطف لا يناسب الغرب بالتأكيد، والذي لن يتخلى عن محاولاته لوضع العصي في عجلات اتحاد القوتين بطرق مختلفة، ولكن في ظل موجات العلاقات الدولية، فإن السفينة الروسية الصينية لن تسلك المسار الذي تريده “الرياح الغربية”.