الكونسينسوس العربي؟؟..
د. مهدي دخل الله
أحسنت الخارجية السورية في تعليقها على قرار جامعة الدول العربية بخصوص سورية رقم 8914 ، مستخدمة مصطلح « تلقت القرار باهتمام « ، ثم بدأت تتحدث عن تأكيد موقفها بضرورة تعزيز العمل العربي المشترك ، وأن المرحلة تتطلب نهجاً عربياً فاعلاً وبناءً على الصعيدين الثنائي والجماعي ، يستند على قاعدة الحوار والاحترام المتبادل .. إلخ.
ومن الواضح أن هذا النص فيه « تذكير « بضرورة التوصل إلى « نهج فاعل وبناء « ، مما يؤكد فقدان هذا النهج في العلاقات العربية، أقله على مستوى الجامعة ، لكن مع وجود أمل بالتحرك نحوه .
ويبدو أن قرار الجامعة الأخير رقم 8914 حول سورية هو خطوة بالاتجاه الصحيح . لكن فيه تهرباً واضحاً من تحمل المسؤولية والاعتراف بالواقع الذي صنعه التصدي الأسطوري للشعب السوري طوال 12 عاماً من التضحيات .
ولاشك في أن هذا التهرب تناسبه الآلية التي استخدمتها الجامعة للتوصل إلى القرار ، آلية الكونسينسوس ( توافق الآراء ) . فهذه الآلية اخترعها الغرب والاتحاد السوفييتي مع بداية عملية هلسنكي للأمن والتعاون الأوروبي ، عام 1975 ، في إطار سياسات خفض التوتر (ديتانت ) ، والتعايش السلمي بين المعسكرين ..
هذه الآلية مهمتها خروج المتعارضين بقرار يشير إلى القليل القليل المشترك بينهم ، دون تعرض للمسائل الحقيقية المطروحة . هي آلية لا تغضب أياً من الأطراف ، لكنها لا ترضي أحداً منهم بالمعنى الإيجابي ..
المنظمات الدولية ذات المسؤولية لا تستخدم هذه الآلية ، لأن عليها أن تطرح حلولاً للمشاكل ثم تعرض الحلول للتصويت . هكذا يعمل مجلس الأمن ، وهكذا تعمل كل المنظمات ذات المسؤولية ..
لذلك جامعة الدول العربية ، في قرارها الأخير بشأن سورية، استخدمت آلية توافق الآراء تجنباً للمسؤولية ، وكي لا تواجه اعتراضات قطر والمغرب والكويت ، إن هي عرضت على التصويت مشروع قرار مسؤول .
يعج القرار في ديباجته ونقاطه الست بالعموميات التي لا يمكن أن يختلف عليها اثنان ما دامت طروحات عامة . بل إنه يتعامل مع حالة متخيلة تشبه الأوضاع عام 2011 و 2012 ، متجنباً الاعتراف بالواقع الجديد والمراحل التي قطعها السوريون نحو الانتصار ..
كما افتقد القرار إلى أي إشادة ، أو حتى إشارة ، إلى تصدي الشعب السوري والمعجزة التي حققها في مواجهة حروب ضارية من جميع أنواع الحروب الميدانية والإرهابية والاحتلالية والاقتصادية والإعلامية والديبلوماسية . والقرار لم يذكر هذه الحروب ، وإنما نظر إلى المسألة السورية وكأنها صراع داخلي .
هناك تساؤل ملح : كيف تقرر الجامعة ما يجب عمله في الشأن السوري قبل حضور مندوب سورية الاجتماع . كان من المفضل اكتفاء الجامعة باتخاذ قرار قصير بإلغاء تجميد المقعد السوري فقط ، وعندما يشارك المندوب السوري يمكن الحديث عن الشأن السوري ..
mahdidakhlala@gmail.com