ثقافةصحيفة البعث

“جحا والأصهب”.. كوميديا شعبية تستلهم التراث لزعزعة الراهن السلبي

آصف إبراهيم

بعد مجموعة عروض قدّمها زيناتي قدسية، مؤلفاً ومخرجاً وممثلاً، على خشبة مسرح ثقافة حمص، مثل “أبو شنار” و”قلب عاشق” و”إعدام” و”أبو زيد الهلالي”.. وغيرها، استطاع أن يخلق حالة مسرحية متوهجة تؤكد ولعه بالمسرح وإصراره على حقنه بإبر الإنعاش التي تبقيه على قيد الحياة وتحقق له الاستمرارية، كما تمكّن من خلق حالة جماهيرية تعيد الألق للمسرح الشعبي المجبول بهموم الناس ومصاعب الحياة ومآسي الواقع الراهن بأشكاله وصوره المختلفة، مستعيناً عن وعي بالموروث الشعبي وحكايات وسير وملاحم شعبيه كمادة وركيزة أساسية لنصوصه لتصوير الشخصيات والأحداث من الزمن الماضي وربطها بالراهن كمفارقة لرصد معادل موضوعي يسلّط الضوء على مشكلات الواقع ويفنّدها، ويزعزع الخمول الراكد فيها.

وهذا الاشتغال على الموروث الشعبي لمحاكمة الراهن، سبقه إليه مسرحيون عرب كُثر أخرجوا المسرح من حالة التنظير النخبوي إلى الخطاب الشعبي، كان في مقدمتهم رائد المسرح العربي أبو خليل القباني، ومارون النقاش، وتوفيق الحكيم، وسعدالله ونوس.. وغيرهم.

وفي عرضه الحالي الذي يقدّمه على خشبة ثقافة حمص بعنوان “جحا والأصهب” مع مجموعة من مسرحيي حمص بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا، ومسرح قومي حمص، يستلهم قدسية من شخصية جحا وحماره شخصية مسرحية يكسيها فعلاً درامياً ومضموناً إنسانياً ينطوي على مقولات ورسائل تهكمية مباشرة تجاه الواقع، بأسلوبه الكوميدي الشعبي البسيط الذي يحاول من خلاله خلق تفاعل جماهيري يحطّم الجدار الرابع ويجعله عنصراً فاعلاً في فضاء العرض المسرحي قولاً وفعلاً.

يقوم عرض “جحا والأصهب” على فكرة الواقع السائد، حيث نرى الرجل المناسب في المكان غير المناسب، والعكس أيضاً في بلدة يسيطر عليها الآغا نوري ويتحكّم بإدارة شؤونها وثرواتها، فتسود المظالم وتهجّر الكفاءات ويعمّ الفقر والجهل، إلى أن يعيّن الوالي وكيلاً وقاضياً جديداً هو جحا، على البلدة المسمّاة “البشمة” للدلالة على التلوث المنتشر فيها، فيقوم جحا بحنكته وظرفه وحسن تدبيره بوضع حدّ لممارسات الآغا نوري وأزلامه ويعيد الأمور إلى نصابها، ويعقم البلدة من التلوث الأخلاقي والإنساني المستشري فيها ليغيّر في النهاية اسمها إلى “المعقمة”.

فكرة بسيطة يكرّر قدسية من خلالها موقفه الغاضب والرافض للواقع المتخم بالتجاوزات والممارسات اللا إنسانية واللا حضارية، وهي رسالة يحملها على عاتقه منذ بداياته المسرحية وحتى الآن، وهي فضح الواقع العربي السياسي والاجتماعي والثقافي الموسوم بالزيف والتشرذم القيمي والأخلاقي، معتمداً في أدائه المسرحي على التوظيف الدرامي للأغنية الشعبية واللهجات المحلية والارتجال الدرامي والتلاعب باللغة لفرض أجواء انفعالية متواصلة مع المتلقي، معتمداً بالدرجة الأولى على مقدرته التمثيلية وموهبة الممثلين الشباب الذين يعتمد على حماسهم وشغفهم بالفن المسرحي، دون التعويل كثيراً على قطع الديكور والإكسسوار التي تؤدي في معظم عروضه وظيفة شغل حيّز من فضاء المسرح لا أكثر دون أن تكون لها وظيفة درامية مساعدة، ولاسيما في هذا العرض الذي لم نجد تفسيراً مقنعاً لوجود هذا الكمّ من الألبسة البالية المعلقة على عارضة طويلة تصل بين جانبي الخشبة، وأعتقد أن جلّ الجمهور لم يعرها أي اهتمام أو يلتفت إليها.

عرض “جحا والأصهب” كوميديا شعبية تأليف وإخراج زيناتي قدسية، وتمثيل زيناتي قدسية مع مجموعة من الممثلين من مسرح قومي حمص.