المسيّرات الأوكرانية.. آخر المحاولات الأمريكية للضغط على موسكو
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي:
لا شك أن الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا ليست بين الجيش الروسي والجيش الأوكراني كما تحاول وسائل الإعلام الغربية أن تسوّق، فالمراقبون للمشهد سواء أكانوا من دول الناتو “الغرب الجماعي”، أم من سائر أنحاء العالم يدركون أن الحرب الدائرة الآن هي حرب بالوكالة بين حلف شمال الأطلسي “ناتو” عبر النظام الأوكراني، وروسيا، وهدفها بات معروفاً للجميع حيث لا يتحرّج الغرب الجماعي في الحديث عن رغبته في استهداف روسيا لإضعافها وهزيمتها استراتيجياً، وهذا ما جاء على لسان أغلب المسؤولين الغربيين، ولا شكّ أيضاً أن الغرب استخدم في هذه الحرب جميع الوسائل التي أراد استخدامها وجرّب جميع أسلحته التقليدية وغير التقليدية التي أثبتت فشلها في مواجهة آلة الحرب الروسية التي أثبتت أنها قادرة على مواجهة شتى أنواع الأسلحة الغربية في أصعب الظروف.
ومن هنا، فإن عجز الغرب الجماعي عن إحداث أيّ خرق في هذه الحرب التي أراد لها أن تكون حرب استنزاف لروسيا فانعكست حرب استنزاف له ولمقدّراته، أدّى فيما أدّى إلى شعور هذا الغرب بضرورة استهداف الداخل الروسي ظنّاً منه أنه بذلك يتمكّن من الضغط على موسكو لإيقاف الحرب بشروط غربية أو بما يحفظ ماء وجه الأطلسي الذي أدرك مؤخراً أن جميع الأهداف التي توخّاها من دعمه للنظام في كييف قد سقطت مع الخسارات المتتالية التي يُمنى بها الجيش الأوكراني والخبراء الغربيون، وخاصة الأمريكيين، على الجبهة، حيث تأكد لدى الجميع أن مراكز القرار في كييف تضمّ العديد من الخبراء العسكريين الأمريكيين والغربيين، فضلاً عن ضباط الاستخبارات الغربيين الذين يديرون المعركة على الأرض.
وبما أن الجانب الروسي أدرك منذ البداية أن حربه هنا ليست مع الجيش الأوكراني وحده لأنه لن يتمكّن من الصمود في وجه الجيش الروسي مطوّلاً لولا الدعم والتوجيه الغربيان، فقد وصل إلى نتيجة أنه لا بدّ من استهداف آلة الحرب الغربية التي يتم توريدها إلى كييف عبر دول الحلف وخاصة رومانيا التي شكّلت جسراً لمرور هذه الأسلحة طوال فترة الصراع.
ومن هنا فإن قيام نظام كييف مؤخراً باستهداف الكرملين بتوجيه غربي، أي محاولة اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل مباشر، جعل الجيش الروسي يردّ مباشرة على مراكز صنع القرار، حيث تزامن هذا الهجوم مع فرار رئيس النظام الأوكراني فلاديمير زيلنسكي إلى دول أوروبية مجاورة تحت غطاء زيارة هذه الدول، بينما كان يدرك جيّداً هو ومشغّلوه أن الجيش الروسي سيردّ على القصر الجمهوري في كييف، وسينتقم لذلك باستهدافه مباشرة، حيث قام الجيش الروسي باستهداف قائد الجيش الأوكراني بضربة صاروخية أدّت إلى تحييده نهائياً، كما استهدف الجيش الروسي بضربة صاروخية نظام “باتريوت” الأمريكي في العاصمة كييف الذي يعدّ مفخرة الدفاع الجوي ليس فقط للولايات المتحدة الأمريكية، وإنما لحلف شمال الأطلسي مجتمعاً الذي يعتمد على هذا النظام في حماية قواته المنتشرة في دول الحلف، وهذا طبعاً يؤدّي إلى فقدان الثقة بهذا النظام الصاروخي على مستوى العالم.
ومن هنا، فإن الضربة الصاروخية الروسية التي استهدفت مراكز القيادة في العاصمة الأوكرانية كييف أدّت إلى خسائر فادحة على مستوى الجيش الأوكراني والقوات الأطلسية المتعاملة معه التي تدير المعركة من داخل كييف، ولا شك أن هذه الضربة أدّت إلى مقتل عدد من العسكريين والضباط الأمريكيين المقيمين إلى جانب نظام باتريوت حسب المتعارف عليه عند تركيب مثل هذا النظام، وهذا ما أكده المستشار السابق للبنتاغون، دوغلاس ماكغريغور، حيث رجّح مقتل عسكريين أمريكيين بالضربة الروسية لمنظومة “باتريوت” مؤخراً في كييف، بقوله: “إذا تم تدمير منظومة “باتريوت” بالقرب من كييف، وهو ما حدث بالفعل، سيتم أيضاً القضاء على من حولها.. أنا متأكد من أننا تعرّضنا لخسائر في الأفراد هناك”.
ورغم أن المتحدّثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية، صابرينا سينغ، زعمت أنه تم إصلاح منظومة “باتريوت” التي أعلن الجيش الروسي تدميرها بصاروخ “كينجال” في كييف، ونشر مشاهد لاحتراقها، غير أن ذلك لا ينفي مستوى العجز الذي بلغته منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية التي يبلغ ثمنها مع توابعها نحو مليار دولار، وهذا طبعاً يؤكّد حجم التمسّك الأمريكي في الدفاع عن النظام الأوكراني ومنعه من السقوط.
ومع إعلان وزارة الدفاع الروسية تدمير خمس منصات إطلاق “باتريوت” بصاروخ “كينجال” الفرط صوتي، خلال ضربة صاروخية مكثفة من الجو والبحر على مواقع عسكرية في مناطق مختلفة بأوكرانيا شملت أوديسا، وتشيرنوفتسي، وجيتومر، وتشيرنيغوف، وكييف، فضلاً عن مخازن لأسلحة غربية جديدة تسلّمتها كييف مؤخراً، وجسر التموين الرابط بين أوكرانيا ورومانيا عضو “الناتو”، الذي كانت تتدفق الأسلحة والذخائر الغربية عبره، لا شك أن الغرب الجماعي سيسعى إلى الانتقام من خسارته المدوّية في هذه الحرب، حيث لم يعُد خفيّاً على أحد أن الحرب أصبحت بين الناتو وروسيا مباشرة وإن لم يتم الإعلان عن ذلك صراحة، وهذا بالطبع سيدفع الناتو إلى مهاجمة روسيا مباشرة عبر استهداف الداخل الروسي، إما عبر عمليات إرهابية تديرها المخابرات الغربية على الأراضي الروسية، وإما عبر التخريب الممنهج كما حدث عند قيام أحد العملاء للمخابرات الأوكرانية بإحراق نسخة من المصحف في مدينة بيلغورود الروسية، لإثارة النعرات الدينية داخل روسيا المتعدّدة الأعراق والديانات، وإما عبر استهداف المدنيين في موسكو مباشرة عبر المسيّرات كما حدث مؤخراً، حيث اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الهجوم الأوكراني بطائرات مسيّرة على موسكو عملية إرهابية هدفها استفزازي، مشدّداً على أن هدف كييف هو ترهيب السكان في روسيا.
بوتين الذي أكّد تدمير روسيا للمقر الرئيسي للاستخبارات العسكرية الأوكرانية، يدرك جيّداً أن هذا المقر كان يضمّ داخله عدداً من ضباط الاستخبارات الغربيين، وهو بذلك يشير إلى رغبة غربية واضحة في الانتقام لهؤلاء الضباط القتلى، ولكن عبر استهداف المدنيين الروس بأعمال إرهابية.
الخارجية الروسية أعربت عن استنكارها لمحاولات القوات الأوكرانية شنّ هجماتٍ إرهابية ضد روسيا، وأكدت أن موسكو تحتفظ بحقها في اتخاذ أكثر الإجراءات صرامة ردّاً على ذلك، مؤكدة أن الدعم الغربي لنظام كييف يدفع القيادة الأوكرانية نحو الأعمال الإجرامية المتهوّرة، وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حيث قال: لا شك في أن نظام كييف قد تحوّل منذ فترة طويلة إلى الأساليب الإرهابية، مستخدماً في ذلك الأسلحة الغربية، ما يؤكّد مجدّداً أن موسكو تدرك جيّداً أنها لا تحارب النظام الأوكراني وحده، وبالتالي فإن الردّ الروسي يجب أن يستوعب المنظومة العسكرية الغربية العاملة في أوكرانيا برمّتها.
وقد صرّح المتحدث الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن هجوم الطائرات المسيّرة على موسكو هو ردّ كييف على الضربات الروسية الفعّالة يوم الأحد الماضي على أحد مراكز صنع القرار.
وفي الردّ على ذلك، أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أن القوات الروسية تمكّنت من تدمير منظومة باتريوت أخرى للدفاع الجوي في العاصمة الأوكرانية كييف، وأنه تم تدمير مستودعات كبيرة للأسلحة الغربية في خميلنيتسكي وترنوبل ونيكولاييف.
من كل ذلك، يتبيّن أن روسيا تدرك جيّداً أنها تحارب الاستخبارات العسكرية الغربية في أوكرانيا، وأن عليها أن تستهدف جميع البنى العسكرية للغرب الجماعي في أوكرانيا، ومن أجل النصر في هذه الحرب لا بدّ من تدمير أيّ وسيلة من وسائل الحرب الأطلسية يتم من خلالها إدارة الحرب على روسيا، وبالتالي فإن حرب المسيّرات التي استهدفت موسكو إنما هي محاولة غربية بائسة للضغط على موسكو لإيقاف الحرب قبل إتمام أهداف العملية العسكرية الخاصة، وهذا ما لم يحصل عليه الغرب الذي حاول عبر أوكرانيا التمدّد إلى حدود روسيا ومحاصرتها، ولكنه أدرك أن الخسارة باتت قاب قوسين أو أدنى، ولم يتبقّ عليه إلا استهداف المدنيين للضغط على موسكو.