مجلة البعث الأسبوعية

وجيه حسن: يخطئ من يعتقد أنّ الأطفال ساذجون بُسَطاء.. هم في واقع الحال “نقّاد لاذعون مَهَرَة”!!  

“البعث الأسبوعية” ــ جُمان بركات

الغوص في المفردات وتنسيق الكلمات بطريقة جذابة كان دأب العديد من الكتاب وهم يصوغون المقالات والقصص السردية والرواية للأطفال؛ وكاتب الأطفال اليوم يعتصر خلاصة تجاربه الحياتية ومشواره الغني بالسفر في الأمكنة المتعددة وفي عدة فضاءات زمنية، فكان غنى التجربة ذاك يصب في مصلحة المتلقي، وكل من يعرفه يدرك أن شخصيته تنسكب كما هي بحواراته وتفصيلاته المعاشة مع كل كلمة يكتبها.. “البعث الأسبوعية” اتتقت وجيه حسن، وكان هذا الحوار الذي يعكس تجربته في أدب الأطفال، وفي الكتابة للكبار على حدّ سّواء.

 

موهبة الكتابة

عن البدايات وتفتّح فكرة الكتابة للأطفال عنده، تحدث الكاتب وجيه حسن:

الأمر يعود إلى سنوات طويلة مضت، فأنا منذ مدّة ليست هيّنة، كان يدهمني هاجسُ الكتابة للأطفال وعنهم، لأنني كنت أشعر – حقّاً لا ادّعاءً – أنّ في داخلي طفلاً يلهو، يرسم، يلعب، يقفز، ينمو، يكتب، ولا بدّ لهذا الطفل من أن تُتْرَك أمامه مساحة إضافية لإثبات وجوده، وتجسيد موهبته في الكتابة، والعمل على إخراج مكنونات قلبه إلى أطفال الوطن، حبّات القلوب، فلذات الأكباد، وأن يكون له دور في إغناء مخيّلة الطفل، وتفكيره، وعالمه الرّحيب الواسع، وهذا ما كان.

 

رحلة الكتابة

وعن أهمّ المحطّات التي مرّت في حياته في رحلة الكتابة للأطفال أجاب حسن: هنا لا بدّ من التّوضيح، فأنا خرّيج جامعة حلب كلية الآداب والعلوم الإنسانية، للعام 1974، وكي أكون دقيقاً وأميناً في موضوعة الإجابة فأنا كتبت الخاطرة والمقال في بدايات طريق الكتابة، ومن ثَمَ وجدت أنّ هاجس القصّ بات يلاحقني بإلحاح، فكتبت – بدايةً – القصة القصيرة للكبار، وأصدرتُ حتى الآن خمس مجموعات قصصية، وفي جعبتي ستة كتب جاهزة للطباعة، منها مجموعة قصصية للأطفال نشرَتُ قصصها مُنجّمةً في مجلة “أسامة” الغرّاء، منذ العام 2018، وأعتب على نفسي أنني تأخّرت كثيراً في الكتابة لهم.

 

غمار الكتابة

وعن مواهب وأجناس أدبيّة أخرى خاض وجيه حسن غمارها، تحدث: نعم، بكلّ تأكيد، فأنا كما أسلفت، أكتب الخاطرة والمقال، ولي عدد لا يُستهان به من هذه الكتابات مبثوثة هنا وهناك، وقد نشرتْها لي مشكورة جريدة “الأسبوع الأدبي”، التي تصدر عن اتّحاد الكتّاب العرب، ولا أزال أكتب في زاوية “قضايا وآراء” بالجريدة، وآخر مادّة نُشِرت لي منذ أيام كانت تحت عنوان: “معذرةً.. أدْعِياء الثقافة والكتابة”، كما أكتب القصة القصيرة للكبار، وآخر قصة منشورة لي في مجلة الموقف الأدبي عينها، ولديّ اهتمام بقراءة الروايات، وبعدها أقوم بقراءات نقدية متواضعة لها، فأنا لست ناقداً محترفاً، لكنني أقارب الخطاب الروائي من زوايا متعدّدة حسب منظوري الخاص، كما أكتب في حقل الدراسات، وأكتب قصة الجريمة، ولي في هذا الميدان كتاب عنوانه: “جرائم بلون الكرز”، وقد كتبتُ في هذا الحقل ما ينوف على مئتين وخمسين قصة حتى الآن، وسأُخرجها مطبوعة إلى النّور عندما تسمح الظروف، لأنّ أجور الطباعة باهظة على القلوب والجيوب.

 

حبات القلوب

لطالما كان واقع أدب الأطفال في سورية هو السؤال الأكثر طرحاً، وعما لَه وما عليه من أحلام وطموحات مرجوّة، قال الكاتب وجيه: بكلّ صدق وصراحة، أدب الأطفال في سورية ليس مُعافَى بالشّكل المرجو والمأمول، ولم يصل حتى الآن إلى مستوى الطموح، وقد ظلّ متروكاً للمبادرات الفردية، فثمّة عدم اهتمام جدّي بالكتابة لأطفالنا حبّات القلوب، وبالتالي عدم اهتمام بدراسة أدب الأطفال دراسة منهجيّة مُعمّقة، وقصة الطفل ببلدنا وشقيقتها القصيدة لم يصاحبْهما اهتمام مماثل على صعيد النّقد، فليس هناك اهتمام جدّي ملموس بتثقيف الطفل وتوعيته، وكي أكون منصفاً، فإنّ هناك عدداً من الكتب القليلة المبثوثة في المكتبات العامّة والخاصّة تسلّط الضوء على أدب الأطفال في سورية، وتصنع حلقة مهمّة من حلقات تطوّر النقد التّطبيقي لهذا الفنّ النّاعم الجميل، الذي يُبدعه كتّاب سوريون لا يزال عددهم محدوداً جدّاً، ودون الطموح المنشود، على الرّغم من انقضاء ما يقارب النصف قرن على بداياته المحليّة، وأذكر من هؤلاء بكلّ امتنان وفخر على سبيل الذّكر لا الحصر: الكاتب الناقد المعروف محمد قرانيا، الذي كتب القصة والرواية والدراسات الأدبية والنقد، وله مؤلفات كثيرة في أدب الأطفال، وله في ذلك بصماتُه المشهودة المؤثّرة، وهناك كتّاب آخرون موجودون على الساحة، وآخرون غادروها، منهم: زكريا تامر، عادل أبو شنب، عبدالله عبد، دلال حاتم، فيصل الحجلي، نزار نجار، محمد محيي الدين مينو، لينا كيلاني، مها عرنوق، آصف العبدالله، عزيز نصار، عيسى الشماس، قحطان بيرقدار، صبحي سعيد، أسعد الديري، رامز حاج حسين، وسواهم، فهؤلاء لهم بصماتهم الرّاسخة، وحضورهم البهيّ، وكتاباتهم الوَضِيئة في القصة أو الشعر أو في كليهما، ولا مندوحة من ترداد ما قاله الكاتب والناقد المعروف محمد قرانيا: “ينقصنا في سورية مشروع ثقافي رسمي للأطفال ولأدبهم، بعيداً عن السياسة والأيديولوجيا”.

 

نقّاد لاذعون مَهَرَة

وعن المواهب الصّاعدة، والنصيحة التي يقدمها لهم وجيه حسن من خلال تجربته وخبرته، يقول: لا شكّ أنّ هناك قصصاً تُنشَر للأطفال في مجلة “أسامة” العريقة، وفي مجلة “شآم الطفولة”، التي تصدر عن اتحاد الكتّاب العرب، يكتبها الكبار للصغار، ولكلّ منهم تجربته المشهودة في هذا المضمار، وهي قصص لها حضورها الآسِر، وقيمتها الفنيّة.. أمّا عن المواهب الشابّة التي تحاول التجريب والكتابة في هذا الميدان الصّعب، فينبغي أن يعلموا أنّ الكتابة للأطفال ليست بالأمر السّهل، لهذا من الخطورة بمكان أنْ يتصدّى لها مَنْ لا يعرف شروطها وأدواتها ولغتها وأسلوبها وتكنيكها القصصي، ويُتقن معاييرها، أو مَنْ تنقصه الخبرة التربوية والعلمية، ويفتقد الحسّ الأدبي، والتذوّق الجمالي.. ولا بدّ لِمَن يكتب للأطفال، “شعراً أو نثراً”، من أن يكون على صلة وثيقة بهم وبعالمهم الطفولي الرّحب الجميل، وأن يكون قريباً منهم، وأهم شيء في أقلام كتّاب أدب الأطفال هو الصّدق، فكلّما كانت الأحداث صادقة تغلغلت إلى قلب الطفل، وأخذته طيّ عالمها.. وعلى حدّ قول أحدهم: إذا كان الخيال هو عماد القصة وجوهرها، فإنّ الصّدق ينبغي أن يكون رائد هذا الخيال الخلّاق، فالخيال هو الذي يجعل العالَم جميلاً جديداً لنا كلّ يوم، وهو الذي يبعث الحياة في العِظام و”هي رميم”، لأيّ موضوع كان، فيتغنّى بِسِرّ الخليقة! ويخطئ مَن يعتقد من كتّاب أدب الأطفال في بلدنا أنّ الأطفال في أعمّهم الأغلب ساذجون بُسَطاء، يمكن خداعهم بسهولة، أو قيادتهم بِيُسر، بل هم في واقع الحال “نقّاد لاذعون مَهَرَة”، وهُم حين يثقون بنا – نحن الكبار – فإنهم لبراءتهم، ونقاوة سرائرهم، يصدّقون بكلّ شفافية وسذاجة كلّ ما نقوله لهم، أو ما نكتبه من قصص أو شعر.

 

فن وإبداع

وفي كلمة أخيرة عبّر الكاتب عن أمنيته، حيث قال: كلمة من الأعماق للكتّاب الصّاعدين الذين يتلمّسون طريق الكتابة لأطفالنا فلذات الأكباد، حبّات القلوب: لا بدّ من معرفة شروط كتابة القصة الطفلية الجيّدة، وأن نستخدم فيها لغة فنية فصيحة رفيعة الأسلوب، وأن يتوجّه كاتب الأطفال إلى الكتابة السّهلة المُبسّطة المُدهشة المُثيرة، بعيداً عن لغة المعاجم وما فيها من كلام فوق مستوى إدراك الطفل وقاموسه اللغوي، وأن يبتعد كاتب الأطفال عن أن يكون معلّماً صارماً، وراوياً مُملّاً، لأنّ أدب الأطفال في الأُسّ والأساس فنّ وإبداع وموهبة ومتعة وفائدة، وعلينا أنْ نقرّ ونقول بالفم الملآن: إنّ اهتمام الصحافة ووسائل الإعلام بكتّاب وكاتبات هذا اللون من أجناس الأدب المعروفة يفتح أمامه آفاقاً رحيبة، ثمّ إنّ وجود نقّاد أكفاء يتناولون هذه الكتابات بالنقد والدراسة والتمحيص والتقويم يمهّد الطريق، ويسلّط الضوء على تجارب كثرة ممّن أخذوا على عاتقهم خوض تجربة الكتابة لغراس اليوم، أشجار المستقبل الفارعة..