بانعدام المنافسة وحجب المواد عن الأسواق هل يتأثر التجار والصناعيون بالرسوم والضرائب؟
البعث الأسبوعية ـ علي عبود
يزعم التجار أن تخفيض الرسوم عن مستورداتهم سيخفّض الأسعار، كذلك يزعم كل الصناعيين تقريباً أن إعفاء مستوردات مستلزمات الإنتاج سيؤدي حتما إلى تخفيض كلف السلع المنتجة وبيعها بأسعار رخيصة للمستهلكين، وكأنّهم يقولون للمواطنين: الحكومة، ولسنا نحن، هي المسؤولة عن ارتفاع أسعار المواد المعروضة بكثرة في الأسواق.. فهل مثل هذه المزاعم صحيحة؟
لا نجادل أبداً في ارتفاع كلف المواد الأولية الداخلة في معظم الصناعات الوطنية، وخاصة المستوردة منها، وبأنّ الرسوم والضرائب تزيد أسعار المستوردات، لكن السؤال: هل يتأثّر التجار والصناعيون فعليا بالرسوم والضرائب كي يضطروا لرفع أسعارها؟
من يعرف التكلفة الحقيقية؟
تؤكد وزارة التجارة الداخلية انها تراعي تكاليف السلع والمواد المستوردة والمصنعة محليا التي يقدمها التاجر أو الصناعي لمديرية التسعير في الوزارة، ونجزم أن هذه التكاليف غير واقعية، فأصحابها يحرصون أن تكون مرتفعة جداً لأنهم يتوقعان سلفا أن وزارة التجارة ستقوم بتخفيضها من جهة، ولكي يوحون لوزارة المالية أنهم يتحملون أعباء باهظة كي يتهربون من الأرباح الفعلية من جهة أخرى.
ونجزم أنه لا يوجد تاجر أو صناعي مستعد للكشف عن الكلف الحقيقية للسلع المستوردة أو المصنعة محليا، كي نتمكن من معرفة النسب الدقيقة التي تضاف إلى السلعة قبل طرحها في الأسواق.
وعندما تكتشف مديرية التسعير في وزارة التجارة أن هناك مبالغة في رفع تكلفة مادة ما إلى حد أنها تُباع بسعر أعلى من مثيلتها في الدول المجاورة، فإن جواب التاجر والصناعي جاهز وواحد دائما: نتحمل تكاليف غير منظورة!!
وغالبا ما يوحي التاجر بأنه يوزع إكراميات على مفاصل في الجهات الحكومية كي تمرّ مستورداته دون أي عراقيل، كما يعلنها الصناعي بصوت عال انه يشتري حوامل الطاقة من السوق السوداء، وبالتالي فإن الاثنان يضيفان التكاليف اللامنظورة في البيانات المقدمة إلى الجهات الحكومية، وهذا يؤدي إلى ارتفاع السلع والمواد المستوردة والمصنعة محليا، وبالتالي هناك مبالغة مقصودة بأن الرسوم والضرائب هي السبب برفع الأسعار.
بيانات وهمية وكاذبة
والسؤال: هل سيلتزم التاجر والصناعي بالكشف عن التكاليف الحقيقية للسلع والمواد المعروضة في الأسواق في حال اعفتهما الحكومة من الرسوم والضرائب بنسبة 100%؟
المسألة لا تتوقف على التكاليف غير المنظورة (أي الرشاوى) وإنما على جانب أكثر أهمية يتعلق بالتهرب الضريبي، والزعم أن الرسوم والضرائب هي المسبّب الأكبر برفع الأسعار ليس أكثر من غبار كثيف يخفي الهدف الحقيقي وهو التهرب من تقديم بيانات حقيقية عن الأرباح الفعلية للتاجر والصناعي، فالكل يُقدم لوزارة المالية بيانات وهمية، أيّ كاذبة، والملفت إن من تتجاوز حركة أعماله المليارات سنويا يزعم أمام هيئة الضرائب أنه خاسر، أو أرباحه قليلة جدا، بل يوحي وكأنّه يعمل خادما للمصلحة العامة كي يوفر حاجات المستهلكين مقابل النزر اليسير من الأرباح، وسبق لأحد أعضاء غرفة تجارة دمشق أن تساءل باستنكار: من قال أن التاجر لا يخسر؟!
وبات شائعا أن نقرأ في الإعلام تصاريح لتجار ومنتجين أنهم يبيعون بخسارة أو يفكرون بالهجرة إلى بلد آخر بفعل الرسوم والضرائب الظالمة التي تعرقل الاستيراد والتصنيع، ويطالبون بالحل المثالي(دعه يعمل دعه يمر) بلا رسوم أو ضرائب، وبلا مراقبة أيضا وخاصة من الجمارك زاعمين ان الأسعار لن تنخفض إلا بتحرير الأسعار والعمل بمبدأ العرض والطلب!!
أعلى من (الصرف الأسود)!
وسواء ارتفعت الرسوم والضرائب أم انخفضت، فإن جميع التجار والصناعيين يدخلونها في حسابات التكلفة، وغالبا بأرقام أعلى من النافذة رسميا، تماما مثلما يُدخلون ما يفترض أن يسددونه للمالية من ضرائب على الأرباح في حسابات كلف مستورداتهم ومنتجاتهم المصنعة محليا!
كذلك يفعلونها بالمبالغ التي يرشون بها الأشخاص الذين يشغلون مفاصل لها علاقة مباشرة ونافذة بتخليص بضائعهم في منافذ الحدود، أو دوائر التسعير والضرائب (أي يشجعون على الفساد والإفساد) فيضيفونها أيضا على تكاليف السلع والمواد!
والجانب الأهم المسبب اليومي وليس الشهري أو السنوي لرفع التجار والصناعيين للسلع والمواد وخاصة الأساسية التي لا تغيب عن موائد ملايين السوريين هو قيام التجار والصناعيون بتسعير سلعهم ومنتجاتهم أعلى من سعر الصرف في السوق السوداء تحسبا لأي ارتفاع جديد قد يطرأ عليها خلال الأشهر القادمة، حتى لو كانت مستورداتهم من دولارات المصرف المركزي.
نستنتج من كل ذلك أن التجار والصناعيون لا يتأثرون بالرسوم والضرائب سواء انخفضت أم ارتفعت، والمسألة ليست سوى صرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية لارتفاع أسعار مستورداتهم ومنتجاتهم المصنعة محليا!
ولا ننسى ضعف القدرة الشرائية
ولا يمكن تجاهل السبب الرئيسي لإثارة موضوع الأسعار على مدار الساعة، أي ضعف القدرة الشرائية لملايين العاملين بأجر، ولو كان الدخل أكبر من تكلفة الحياة اليومية للمعيشة كما كان الحال سابقا، لما أثير موضوع الرسوم والضرائب، كما يُثار حاليا في كل اجتماع للتجار والصناعيين مع الوزارات المعنية أو في المذكرات التي يرفعونها لرئاسة الحكومة.
نعم، باستثناء السلع الغذائية الضرورية جدا، فإن الأسواق راكدة، بل هناك صناعات شبه متوقفة، لا تنتج سوى كميات هزيلة، ولكن ليس بفعل الرسوم والضرائب وحوامل الطاقة، والنقل..الخ، وإنما بفعل هزالة أجور ملايين الأسر السورية، فدخلها بالكاد يؤمن لها مادون الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة.
أكثر من ذلك، لو افترضنا أن الحكومة أعفت المستوردات والمنتجات المصنعة محليا من كل الرسوم والضرائب بما فيها ضريبة الأرباح، ، وافترضنا أن التجار والصناعيون قاموا بالتسعير وفق الإعفاءات الكاملة، فهل ستنخفض أسعار السلع والمواد إلى مستوى أدنى أو يوازي القدرة الشرائية الحالية لملايين العاملين بأجر؟
السكر يفضح أكاذيب المحتكرين
وبما أن (حبل الأكاذيب قصير جداً) فإن الأسعار التي شهدتها مادة السكر في عزّ الطلب عليها مع اقتراب موسم تصنيع المربيات المنزلية، فضحت مزاعم التجار بأن الرسوم والضرائب والمنصة وسعر الصرف الأسود هي المتسبب برفع الأسعار!!
منذ بداية شهر أيار، ومع تأخر تفعيل دورة توزيع المادة بالبطاقة الذكية بسعر ألف ليرة للكيلو، وجد محتكرو مادة السكر الفرصة الذهبية لرفع سعر المادة تدريجيا مع موسم تصنيع المربيات ( البداية بالفريز) من 7500 ليرة فإلى 8200 ليرة فـ 8500 ليرة وصولا إلى 12 ألف ليرة مع الامتناع عن بيع المادة في الكثير من المحلات لقلة الكميات التي يوردها التجار إلى السوق!
وعندما يجيب التاجر أصحاب المحال الذين يطلبون شراء كميات من السكر بأن المادة ارتفع سعرها، وتتكرر الإجابة كل يوم أو يومين فالسؤال: هل رفعت الحكومة الرسوم الجمركية على استيراد المادة؟
والسؤال الأكثر أهمية: ما علاقة سعر الصرف الأسود سواء زاد أم انخفض بمواد محزنة وتكفي لأكثر من عام في المستودعات استوردها التاجر منذ أشهر؟
انه الاحتكار ولا شيء أخر،فهو المتسبب برفع أسعار السكر متحديا أجهزة الرقابة وحماية المستهلك من 8500 ليرة إلى 12 ألف ليرة، ولا علاقة البتة للرسوم والضرائب وسعر الصرف..الخ!
وهذه القلة التي تحتكر المواد الأساسية من سكر وأرز وزيت، تنتظر تأخّر فتح دورات جديدة لتوزيع المواد المدعومة بالبطاقة الذكية لتضرب ضربتها وترفع أسعار موادها المخزنة وتتحكم بتوريدها إلى الأسواق وإلى توزيعها بالقطارة، وهذا ما يدفع الكثيرون إلى السؤال المشروع جدا: هل من قطبة مخفية وراء التأخر بفتح دورة جديدة لبيع المواد المدعومة التي لا تخدم سوى المحتكرين؟
لو أن توزيع المواد المدعوم يتم شهرياً كما كان الحال سابقاً لاختفى احتكار التجار لها ولانخفضت أسعارها إلى مستوى تكلفة استيرادها مع هامش ربح بسيط، وسواء كان من يستورد المادة كثرة أو قلة من التجار المتنفذين، فإن المنافسة معدومة، فبإمكان هؤلاء القلة الاتفاق على حجب المادة عن السوق وفرض سعر موحد لها يضمن الاحتكار المطلق لها متحدين الأنظمة النافذة!