طهران وكاراكاس.. رسالة إلى الشعوب المحاصرة لتعزيز خياراتها
تقرير إخباري
تعدّ زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى فنزويلا مع وفد كبير حدثاً مهمّاً على الساحة الدولية، وخاصةً في هذا التوقيت الذي يعجّ بتداعيات حرب “الناتو” ضدّ روسيا، واختيار الولايات المتحدة التي تعاني التراجع والترنّح لسياسة الحرب الناعمة وفرض العقوبات ضدّ أكثر من نصف شعوب العالم لأنها سلاح فعّال قليل التكلفة، فضلاً عن تشجيعها إثارة التوترات الداخلية والثورات الملوّنة في كل دولةٍ تعاند سياساتها الإمبريالية.، كما تكتسب الزيارة أهمية في إطار البعد الجغرافي، فالوفد الإيراني سينتقل من فنزويلا إلى كوبا ونيكاراغوا لبناء الاتفاقيات وتعزيز التعاون مع القارة اللاتينية للاستفادة من ثقلها السياسي والاقتصادي العالمي.
إن الزيارة تنطلق في أبعادها الاقتصادية من توسيع الأرقام السابقة عبر تضخيم أرقام التبادل بين البلدين لتتجاوز العشرين مليار دولار، وهذا يعني بالضرورة كسر اعتماد فنزويلا على الولايات المتحدة في أسواقها، وحرمان واشنطن من تصريف منتجاتها في مكان كانت تظنّه حديقة خلفية خالصة لها، ويكمن أيضاً في تعزيز كسر العقوبات عبر الاستمرار بالتعاون بين البلدين، الذي نشط منذ عهد الرئيس الراحل هوغو تشافيز، كما أن الزيارة لا تهدف فقط للتعاون في مجال الطاقة والنفط بل لإفادة كاراكاس من التجربة الصناعية الإيرانية التي شهدت نهضة لا مثيل لها منذ ما بعد الثورة الإسلامية، وذلك بهدف إعادة إنعاش التنمية في فنزويلا بعد أن أنهكتها العقوبات، وزيادة اعتمادها على نفسها في ظل التصعيد الأمريكي ضدّها الذي هدّد بعدم الاعتماد على نفطها وسرقته مجاناً وإيقاف عجلة تنميتها صراحةً على لسان ساسته.
وعلى الصعيد العالمي تخطّى البلدان مرحلة العلاقة الديبلوماسية نحو علاقة الصداقة والتحالف، وخصوصاً أنهما وقّعا معاهداتٍ دفاعية تتضمّن بنوداً تقلق واشنطن التي كانت حتى وقتٍ طويل تظنّ نفسها بعيدة عن كل بلد يريد التفلّت من تبعيتها، بالتزامن مع تحوّل القارة اللاتينية إلى اليسارية بالكامل وسعيها نحو تشكيل جانب مرهوب يساهم في إحلال السلم العالمي وتخفيف التوتر بمساعٍ تقودها الآن البرازيل بقوة.
وعلينا التذكير بأن هذه الزيارة تتكامل مع نشاط ديبلوماسي لا يمكن فصله عن بعضه؛ فقد سبقتها زيارة الرئيس الفنزويلي إلى البرازيل والسعودية، ومن قبلها شهدت السعودية زيارة للرئيسين الإيراني، والصيني، وغيرها من الحراكات على مستوى تعزيز انضمام الدول إلى “بريكس” ومبادرة “الحزام والطريق” وغيرها من الكيانات الاقتصادية التي تسعى لكسر القطبية، عبر تعزيز التعاون الاقتصادي والأسواق المشتركة ونبذ التعامل بالدولار في المبادلات بين جميع القوى بما فيها التي كانت حليفة في الأمس للولايات المتحدة.
ولابد من الإشارة أخيراً إلى أن العالم سيشهد المزيد من أطر التعاون بين الدول الساعية لاستعادة سيادتها المطلقة وحرية قرارها وتحقيق مبدأ العلاقات المتكافئة والمتساوية بين كل الدول بغض النظر عن حجمها وقوتها العسكرية، لتصحيح هذا المسار الأعوج الذي يشهده التاريخ منذ عقود على يد الغرب الرأسمالي، مستفيداً من النماذج الصاعدة وعلى رأسها إيران التي أثبتت بصمودها ونهجها المقاوم أن للشعوب الحق بالحصول على المعايير التي تقرّرها هي، لا التي يعلّبها ويقولبها ويفرضها عدد من الدول القوية القليلة.
بشار محي الدين المحمد