التسامح المزعوم ينهار على أعين العالم
تقرير إخباري
لم يعُد بإمكان “بلد الحريّات” أن يتبجّح مرّة أخرى بقيم التسامح والحرية واحترام حقوق الإنسان، فما حدث مؤخراً من قتل الشرطة الفرنسية للفتى الفرنسي من أصول جزائرية يعيد إلى الأذهان النظرة الاستعمارية الفرنسية التي تنظر إلى جميع الفرنسيين من أصول أجنبية على أنهم مجرّد خدم وعبيد لا يتمتّعون بأدنى مقومات المواطنة في مجتمع عنصري مادي لا يعترف إلا بالمواطنين من أصول بيضاء، وقد فضحت هذه الحادثة كل ما كانت تتغنى به الليبرالية الغربية من ديمقراطية وتعدّدية وعدالة وتسامح، وأكّدت مرّة أخرى أن هذه القيم فقط للتداول الإعلامي ولا مكان لها على الأرض.
فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أطلق مجموعة من التصريحات انتقد فيها كلاً من روسيا والصين وإيران في أحداث ليس لها علاقة ربّما بما يدّعيه الغرب من حقوق للإنسان، وقف عاجزاً أمام الأعمال والممارسات التي تقوم بها الشرطة الفرنسية على مرأى ومسمع العالم أجمع من محاكاة للشرطة الأمريكية في ممارسة الإرهاب المسلّح تجاه المواطنين الملوّنين، وحادثة مقتل الأمريكي من أصول إفريقية “جورج فلويد” على أيدي الشرطة الأمريكية خير شاهد على القيم النيوليبرالية التي يتبجّح بها الغرب حالياً.
وفي كل الأحوال باتت مثل هذه التصرّفات تهدّد المجتمعات الغربية عموماً، والمجتمع الفرنسي خاصة بمزيد من الاضطرابات التي قد تفضي إلى حرب أهلية، حيث اعتبرها المرشح السابق للانتخابات الرئاسية الفرنسية إريك زيمور في حديث تلفزيوني بداية حرب أهلية وعرقية وإثنية، مؤكداً أن “الحرب الأهلية صراع ومواجهات بين السكان والسلطات، وهذا بالضبط ما يحدث الآن في فرنسا”.
واتهم السياسي الفرنسي، المقتول البالغ من العمر 17 عاماً بأن لديه الكثير من المخالفات، في غضون عامين فقط، مدّعياً أنه تم ذكره 15 مرة في ملفات القضايا الجنائية وحوكم خمس مرات لرفضه الامتثال، على الرغم من اعترافه أن قتل المراهق أمر لا يُغتفر.
غير أن هذه الرواية تدحضها المعلومات التي كشفها صديق الفتى نائل المرزوقي، حيث كان الأخير برفقة اثنين من أصدقائه، في السيارة التي كان يقودها، لحظة توقيفه من جانب عناصر الشرطة الفرنسية، حيث فرّ أحدهما مرعوباً من المكان بعد قتل نائل بينما الآخر ظل في السيارة.
وخرج صديق الفتى القتيل، بمقطع صوتي انتشر بشكل كبير عبر منصّات التواصل، كشف فيه حقيقة ما جرى، مشدّداً على أنهم لم يكونوا تحت تأثير المخدرات أو الكحول حينذاك.
وأوضح أنهم استعاروا سيارة صفراء للقيام بجولة في المدينة، ولاحقتهم دورية شرطة مسرعة وحين أوقف نائل السيارة بناء على طلبهم، أمره شرطي بفتح النافذة، وطالبه آخر بالنزول من السيارة وضربه بعقب مسدسه، ثم قال الشرطي الثاني للأول “أطلق النار عليه”.
وضرب الشرطي نائل مجدّداً بعقب مسدسه فاختلت حركته ورفع رجله عن دواسة الفرامل، فتحرّكت السيارة للأمام قليلاً، فأطلق الشرطي الثاني النار مباشرة نحو نائل الذي ثقلت حينئذ قدمه على دواسة البنزين، لتتحرّك السيارة بسرعة أكبر.
هذه الحادثة علّقت عليها المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بعد أن ذكرت بيان نقابات العاملين في الشرطة الفرنسية المملوء بالعنصرية تجاه ما “تقوم به هذه الأقليات العدوانية”، بالقول: “هذا كل ما في الأمر. لقد انكشف كل شيء. التسامح المزعوم ينهار أمام أعيننا. تستعرض الليبرالية وتبدي تناقضاتٍ لا تتوافق مع الحياة”، داعية وزارة الخارجية الفرنسية ببساطة، “إلى أن تأخذ جميع الميمات التي وجّهتها سابقاً إلى روسيا والصين وإيران، وقراءتها على نفسها”.
فالأمر إذن لا علاقة له مطلقاً بالحفاظ على النظام العام كما تدّعي السلطات الفرنسية، وإنما مرتبط أساساً بالسياسات الاستعمارية الغربية المتأصّلة في المجتمع الفرنسي التي لا تقيم وزناً للأعراق الأخرى التي يتكوّن منها المجتمع الفرنسي، وبالتالي على الحكومة الفرنسية أن تتوقّف عن التبجّح بقيم التسامح والعدالة.
طلال ياسر الزعبي