صحيفة “البعث” والهوية العربية الحضارية
غالية خوجة
منذ انطلاقتها في الثالث من تموز عام 1946 وصحيفة “البعث” تعتمد الوعي الوطني والقومي مركزاً أساسياً لدورانها، والكلمة الناصعة ذات الحرية المسؤولة، والفضاء المتطوّر، والأبعاد المعاصرة، مواكبة للحداثة المتأصلة، ومتفاعلة بتميّز مع الفضاء التكنولوجي وبكافة الوسائل، جاعلة من قضايا الأمة العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية بوصلة لتحرير الأرض العربية من كافة أشكال الاستعمار وسمومه المختلفة، سواء في الواقع أو الشبكة العنكبوتية أو الأدمغة.
مرّت “البعث” بالعديد من الظروف إلاّ أنها أصرّت على الانتصار من خلال المواصلة الهادفة لمشروعها الوطني التنويري الاجتماعي الثقافي الفكري الفني الإنساني المتمحور حول الأمة العربية الواحدة، وهويتها الانتمائية المضادة لكلّ ظلام وظلاميات، واهتمت وتهتمّ ببناء الإنسان، وتدافع عن حقوقه المختلفة، وتحارب الفساد بكافة أشكاله وتشكّلاته، وتنتصر للناس كافة ومنهم، بكل تأكيد، البسطاء من عمال وفلاحين وصغار كسبة، مما ساعدها في تكوين ثقة مطلقة محلياً، وعربياً، وعالمياً، وذلك في الفضاءين الواقعي والافتراضي.
وتهتم “البعث” بالكلمة المثقفة الإيجابية التي أفردت لها الصفحات والمساحات الالكترونية الخاصة، وآخرها مجلة البعث الأسبوعية المتنوعة الشاملة التي تناقش حياتنا في كافة مجالاتها السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية والفنية والفكرية والمحلية والعربية والعالمية وحياتنا اليومية، مدركة مقولة القائد الخالد الذي دشّن مقرها: “الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية”، ومكملة خطواتها مع مقولة القائد بشار الأسد: “الأمل بالعمل”.
وواصلت “البعث” مشروعها رغماً عن كلّ الظروف التدميرية لوطننا العربي ولوطننا الحبيب سورية، ولم يؤثّر على حضورها اليومي الفاعل ما افتعله الظلاميون، وهو حال إعلامنا الوطني أيضاً بكافة وسائله، وظلت تنشر أهدافها الشامخة الراقية، وظلت تجذب ثقة السوريين في الداخل والخارج، وثقة القراء العرب والأجانب، وكم من مغترب يتابعها ليطمئن على وطنه، خصوصاً، أثناء الحرب، وكنت منهم لثقتي بإعلامنا الوطني ومصداقيته العاكسة للواقع، وكم انتصرت “البعث” وخسر من عاداها، فقط لأن “ما بني على حق فهو حق، وما بني على باطل فهو باطل”.
وللقارئ المتابع أن يلمس فضاء حريتها للكلمة المسؤولة الرائية المبشّرة والنذيرة، وهي سمة موضوعية لتعاملها في مختلف المجالات والموضوعات والافتتاحيات والكلمات والدراسات والمقالات والتحقيقات والاستطلاعات والتقارير والمتابعات ذات المهنية الفنية الرفيعة.
وكم أسعدني أنني مع “البعث” منذ كتاباتي الأولى، ومع عائلتها منذ يوبيلها الماسي، وها هي تشعل عامها السابع والسبعين مع أوائل الحاضرين في فضاء صاحبة الجلالة، مثبتة للعالم أن الصحافة سلطة رابعة في سوريتنا الحبيبة تتمتع بقوتها الناعمة كدبلوماسية قوية بالحق والهوية العربية والانتماء الوطني وجذوره العريقة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وتصنع أزمنتها القادمة برؤى منفتحة ومتفتّحة ضمن منهجية مشعّة ورسالة شامخة يعرفها كل فرد من أبناء مجتمعنا السوري الذي تكالبت عليه ظلاميات العالم، فأثبت لهم أنه ابن الحضارة العريقة التي أضاءت وعي العالم بصحفها الأولى التي تحتفظ بها آثارنا المكتشفة وغير المكتشفة، والتي منحت الوعي طرقاتها إلى الحق والشهادة والنور والعلم والأدب والمعرفة والمحبة والأبجدية والموسيقا والفنون والأمان والسلام، وما زالت وستبقى هذه الحضارة تمنح قيمها المتجذرة للعالم، وما زالت “البعث” وستظلّ تضيء القلوب والأرواح والعقول بهويتها الثقافية الوطنية العربية ومشاعلها الحضارية، المردّدة معنا: كل عام و”البعث” وإعلامنا الوطني يزداد إشراقاً.