د. يوسف حطيني يتطرق إلى المقطعّات الشعرية والهايكو في كتابه الجديد
ملده شويكاني
“قصدتهم في موعد العشاء
تطلعوا عليّ برهة
ولم يرد واحد منهم تحية المساء
وعادت الأيدي تراوح الملاعق الصغيرة
في طبق الحساء”
قصيدة “عشاء” للشاعر أمل دنقل كانت أحد الشواهد في كتاب الدكتور يوسف حطيني النقدي والتحليلي بعنوان “القصيدة القصيرة جداً، جذورها، تداخلاتها، ملامحها” – صادر عن دار توتول – والتي اختزلت مضمون الكتاب بإيضاح خصائص القصيدة القصيرة جداً، ومنها ما يتعلق بالسردية المكثفة في البناء الهرمي لها.
ويأتي الكتاب كما كتب د. حطيني في العتبات النصية التي تشكّل مفاتيح للقارئ “من شغف الشاعر إلى وعي الناقد” بعد أن أصدر كتباً عدة تتناول دراسات نقدية وتحليلية في الرواية والقصة والقصيدة، إضافة إلى مجموعاته القصصية ومجموعتين شعريتين، إحداهما بعنوان “بيني وبين حبيبتي شيئان” ومسرحية.
قسم الكتاب إلى فصول عدة تتعلق بسمات وخصائص القصيدة القصيرة جداً الفنية والسردية والموسيقية من حيث إيقاع القصيدة، وأكد من خلال تبويبه واسترجاعه لأشعار الأدب العربي القديم والحديث وتوثيقه من الكتب النقدية التي ألّفها باحثو الأدب بأن هذا النوع من القصائد “القصيدة القصيرة جداً” على غرار القصة القصيرة جداً موجود في أدبنا العربي وبأن منشأ هذا المصطلح ليس غربياً، “تستند إلى هوية تراثية وحديثة” كما تطرق إلى قصيدة النثر والهايكو.
وسيتمّ توقيع الكتاب في فعالية تقام في مقر اتحاد الكتّاب العرب في المزة ظهر غد بحضور الكاتب د. حطيني الذي يزور الوطن وبإدارة الإعلامي ملهم الصالح.
المقطعّات الشعرية
يبدأ الأديب والكاتب د. يوسف حطيني من الأدب القديم دون ترتيب تتابع العصور بالفصل الأول جذور القصيدة القصيرة جداً (شعر المقطّعات)، إذ استعرض نماذج من تجارب المقطعات الشعرية المعروفة منذ العصر الجاهلي، مبيناً أن الأدب الشذري القصير جداً سواء أكان شعراً أم نثراً غير مرتبط بعصر السرعة بل بالمواقف التي يعيشها الإنسان، ويعبّر عنها.
الغزل والصبابة
وتابع عن الموضوعات التي تناولتها المقطعّات للغزل والفخر والمديح والاعتذار والهجاء والرثاء والحكمة والوصف وما يتفرع عنها، لتأكيد قدرة المقطعّات على الإحاطة بموضوعات القصائد الطوال، وأورد عدة شواهد، منها ما قاله الشاعر الأموي عمر بن أبي ربيعة في ألم الصبابة:
“ما كنتُ أشعر إلا مذ عرفتكم
أن المضاجع تمسي تنبتُ الإبرا
لقد شقيتُ وكان الحين لي سبباً
أن علق القلب قلباً يشبه الحجرا
قد لمتُ قلبي وأعياني بواحدة
فقال لي لا تلمني وادفع القدرا
إن أُكره الطرف يحسر دون غيركم
ولستُ أحسن إلا نحوك النظرا
قالوا صبوت فلم أكذب مقالتهم
وليس ينسى الصبا إن واله كبرا”
الفخر الشخصي
كما تطرقت المقطّعات إلى الفخر الشخصي والقبلي والاعتزاز بصفاتهم الشخصية مثل قول عنترة بن شداد، وإلى عروة بن ورد الذي اختار الصعلكة بناء على قناعته بعدالة قضيتهم، كما في مقطعته الثلاثية آخرها:
“أقسم جسمي في جسوم كثيرة
وأحسوا قراح الماء والماء بارد”
الهجاء
وتابع الكاتب عن شعراء النقائض الذين اشتهروا بهجائياتهم مثل الحطيئة وابن الرومي، وأقذع الهجاء ما جاء على لسان النساء، منهن أخت الرشيد التي هجت الرجال البخلاء في مقطعّة ثلاثية آخرها:
“لعن الله أخا البخل
وإن صلى وصاما”
التكثيف والإدهاش
أما عن الاشتراطات الفنية للمقطعّات فأغلبها ستة أبيات قد تزيد إلى اثني عشر بيتاً أو تنقص إلى ثلاثة، مع وحدة البحر والقافية والروي والوحدة الموضوعية والتكثيف، ولا يقصد الكاتب اختصار عدد الأبيات بل تأثير التكثيف على الموضوعات وتفصيلاتها، إضافة إلى قوة الأثر والقدرة على الانتشار، وأوضح أن ثمة روافع للمقطعّات تتعلق بتقنيات أسلوبية وتركيبية وبلاغية وأخرى تتعلق بالإلماح والإشارة وأطياف الذكريات والسردية والمفارقة وجمالية الصورة الشعرية والتشبيه والرمزية.
التانكا والرينجا
لينتقل إلى فصل نظرات في قصيدة النثر التي تعدّ بين الشعر والنثر وإلى الفصل الذي انتشر حوله الكثير الهايكو بنظرات في قصيدة الهايكو، إذ عاد من خلال هذا الفصل إلى بلد المنشأ الذي صدّر الهايكو ليس إلى الدول العربية فقط وإنما إلى جميع بلاد العالم، مشيراً إلى انفتاح الثقافات على بعضها كونها نتاجاً إنسانياً. فيستعرض قصيدة الهايكو اليابانية على صعيد الفنّ والموضوع وقد حافظت على تلك الاشتراطات مدة طويلة منذ نشوئها قبل حوالي ثلاثة قرون، لتعبّر عن أعمق المشاعر نحو الطبيعة وعناصرها ببساطة مذهلة، ونوّه الكاتب بالمراحل التي سبقت ظهور الهايكو بالإشارة إلى ما أورده د. أحمد حميد الدوري بمرور شعر الهايكو بمرحلتين تسبقانه، مرحلة التانكا ومرحلة الرينجا الأقل شهرة، إذ استمرت التانكا وانتقلت لما سُمّي بالهايكو. ومن الأمثلة عن التانكا لتيكان يوسانو حيث الحب سؤال لا يحتاج إلى تسويغ، وحيث القدر يقود العاشق إلى اتجاه محتوم:
“كأنك
تسألين القرمزي
لماذا أنت قرمزي؟
يا للغباء، كيف
تنتقدين علاقتي العاطفية؟”
حسيّة الصور
ولخص الكاتب خصائص الهايكو ببساطة اللغة والتركيز والسرعة والمباشرة وحسية الصور وتصوير الطبيعة وتجنّب تصوير العنف والحرب والاحتفاء بالتجربة الجمالية والذكورية، والتقليد أن يكتبه الرجال للرجال، لكن هذا التقليد لا يشترط في الهايكو العربي الذي كتبه النساء والرجال، مثل هدى بنادي ود. بشرى البستاني التي قالت في نص انتصار الحياة على الموت:
موت في الخيام
موت في البيوت
في الركام تطلع زنابق
وتناول ما يتعلق بموضوعات الهايكو العربي التي تدخل الطبيعة في أرق المشاعر.
وحفل الكتاب بفصول أخرى تتعلق بالقصيدة القصيرة جداً ومشكلة المصطلح والملامح الإيقاعية للقصيدة القصيرة جداً وغيرها.