محمد الحريري كأنه علم في رأسه نار
فيصل خرتش
كنت صغيراً عندما تعرفت إلى محمد الحريري، لم أتجاوز سن الثالثة عشرة، يومها سجلت في إعدادية أبي العلاء المعري، كان فخري الذي يسكن في حارتنا طالباَ في الفصل الذي كنت فيه، كنا نسير وقت الانصراف سوية في طريق سوق الأحد القديم، ثمَ انضمَ إلينا واحد ثالث في مشوارنا هذا، كان اسمه محمد الحريري، وهو من طلاب الشعبة الخامسة، بينما كنا أنا وفخري في الشعبة الثانية، وأمسينا نترافق على الدرب الذي يؤدَي إلى حارتنا التي كانت في العرقوب، وأنا كان أهلي يسكنون قرب خزان المياه، وفي الشارع الذي يليه بيت الساجر وكان منهم المخرج فوَاز وإخوته، وبعد شارعين سوف نجد بيت الحريري، وبيت فخري يطلَ على نهاية الخزان بالقرب من كرم الميسر، لم نكن نعرف بعضنا قبل تلك الأيام لأنَ الاتجاهات كانت خارجة عن إرادتنا.
كنا خارج أوقات الدوام الرسمي، نلعب في الكرم، هكذا نلتقي مجموعة من الشبان الصغار نتسلَى وفي بعض الأحيان نلعب، خاصة بعد أن انضمَ محمد وفخري إلى فريق المدرسة في كرة اليد، فكانا يتدربان في الكرم، وكنت حارس المرمى لهما، واستمر اللعب إلى أن أصبحنا في الصف التاسع فقد بدأنا ندرس لأنَ الفحص على الأبواب، ذهبنا إلى الفحص في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني علقت الحرب، فصار محمد يأتي بالراديو لنسمع أخبارها، وكنا نصفق ونحن نسمع انتصاراتنا على الجبهة، لكن في الأيام التالية قلبنا المحطة على إذاعة لندن، فعرفنا الخبر اليقين، لقد ضاعت سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس، هكذا كانت حرب الـ67 قال الراديو توقفت الامتحانات حتى إشعار آخر، هما عادا إلى كرة اليد، وأنا عدت إلى الدراسة، فقد تعود الامتحانات بين يوم وليلة، فإذا لم أعد لها أكن من الخاسرين.
انقضى حوالي الشهر وعدنا إليها فنجحت ورسبا، وفي العام التالي أعادا الكرة ونجحا، فخري ذهب إلى الثانوية بينما الحريري سجل في الصناعة ميممَا وجهه صوب سدَ الفرات، وهناك بدأت إرهاصات فن التمثيل تظهر عليه، وأثناء زياراته تعرف على شاب مندفع نحو التمثيل، كان قد أعلن عن قبول عدد من الممثلين لتدريبهم وتجهيزهم لعمل فيلم، سجلنا اسمينا وصرنا نتابع حفلات التمثيل التي كان يجريها في القبو في منطقة الحميدية، ثمَ صورنا فيلم عن الفدائيين، كان ذلك في عام 1968 فقد ذهبنا إلى خارج المدينة وأحرقنا النيران واجتزنا الحواجز وركضنا وزحفناونحن نحمل أسلحة خشبية، لقد كان فيلماَ واقعياَ صور بكاميرا 8 أو 16 ملمم، لا أذكر ذلك، في تلك الأيام أصبح محمد الحريري ممثلاَ لا يشق له غبار.
المرحلة الثانية كانت عندما أنهى الحريري عقده مع شركة سدَ الفرات، وحزم نفسه متوجهاَ إلى دمشق، وهناك بدأ العمل مع هيثم حقي وهناك أعلن عن ولادة نجم في التمثيل، وخلال فترة التجنيد عمل مع المسرح العسكري، فكان بارعاً حتى إنه تفوق على أقرانه، وعندما جاء دور المسلسلات بدأ يأخذ أدوار البطولة فكان يتفوق على الممثلين خريجي المعهد.
محمد الحريري كأنه علم في رأسه نار، لقد تعب كي يصبح ممثلاً، وقاسى كثيراً كي يصبح نجماً، وقد عمل لأكثر من خمس وعشرين سنة في التمثيل، ألا يستحق التكريم منَا، فلنكرمه إذا، ولنلق على قبره حزمة من الورود.