القنابل العنقودية …. بلسم لجرح مفتوح
سمر سامي السمارة
لا ينبغي أن تكون الأخبار المتعلقة بقرار تخلص الولايات المتحدة من القنابل العنقودية مفاجأة لأولئك المطلعين على مجريات الحرب في أوكرانيا، فمنذ اليوم الأول كانت النخب الغربية مرتبكة حيال المهام المطلوبة منها، وماهية أهدافها وكيف ستكون اللعبة النهائية.
كعادته غيّر حلف الناتو مواقفه مرات عديدة بخصوص القواعد غير المكتوبة، بحيث أصبح من الصعب للغاية رؤية صورة واضحة، حتى أن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ نفسه، بدا مرتبكاً في المؤتمر الصحفي عندما تم سؤاله عن أحدث الخطط التي سيتم التعامل وفقها.
ظاهرياً، يتم الآن استخدام القنابل العنقودية ضد القوات الروسية لوقف الدبابات، لكن واقع الحال يُظهر أن السبب الحقيقي لاتخاذ هذا القرار، هو حاجة الغرب إلى كسب الوقت لبناء مخازن الأسلحة، ومستودعات الذخائر لدول الاتحاد الأوروبي الذي بات يعاني من انخفاض حاد في معداته العسكرية.
تحتاج الدول الغربية إلى ستة أشهر على الأقل، قبل أن تتمكن حتى من التفكير في تحضير أوكرانيا لـ لشن “هجوم” جديد، لذا فإن إرسال أطنان من هذه المتفجرات إلى الجيش الأوكراني بدا وكأنه بلسم لجرح مفتوح.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، أليست هذه هي نفس القنابل العنقودية التي وقّع معظم أعضاء الناتو على معاهدة لحظرها؟. أليست هي نفس القنابل التي تذرع بها الغرب لاتخاذ موقف “أخلاقي رفيع” عندما اتهم روسيا باستخدامها ضد القوات الأوكرانية؟.
في الحقيقة، إنه النفاق بعينه، أو بالأحرى اليأس الذي وصل إلى مرحلة مذهلة، حيث كانت الدول الغربية تلجأ إلى شماعة “الموقف الأخلاقي الرفيع” كلما مر الوقت دون تغيير في الخط الروسي المحصن، فكلما ظفرت روسيا بالمزيد من الانتصارات كلما كانت خسارة الغرب أكبر. وحيث أن زعماء الناتو وبايدن يعرفون ذلك تماماَ، كانت مبادرة القنابل العنقودية إستراتيجية محسوبة لطرف يعرف تمام المعرفة أنه يخسر، ويريد إبطاء سرعة فشله في ساحة المعركة.
جدير بالإشارة، أن الأمر الذي تحاول الدول الغربية إخفاءه حول القنابل العنقودية هو قدرتها الهائلة على قتل المدنيين، خاصة الأطفال. وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن ما بين 10% إلى 40% من القنابل لا تنفجر بعد إطلاقها، ما يعني أنها ستستقر وتبقى في المنطقة المستهدفة، وربما تؤدي لخسائر في صفوف المدنيين مستقبلاً، وهو ما حصل فعلاً في عدة أماكن حول العالم.
وما لم يذكره معظم الصحفيين الغربيين، هو أن أمريكا كانت تستخدم مثل هذه القنابل القذرة منذ حرب فيتنام، عندما تم في أواخر الستينيات إلقاء 270 مليون من هذه “الذخائر الصغيرة” في لاوس، والتي لا تزال تقتل الأطفال الذين يجدونها في الحقول ويلعبون بها.
وتعد القنابل العنقودية سلاحاً بشعاً وعشوائياً يحظر استخدامه من قبل عشرات الدول في كثير من أنحاء العالم، حيث يعد الأطفال أكثر عرضة للإصابة بها، لأن هذه القنابل قد تشبه لعبة صغيرة يعثر عليها الطفل في منطقة سكنية أو زراعية، وغالباً ما ينجذب إليها الأطفال ويمسكونها بدافع الفضول.
لكنها ليست لعبة بالنسبة للجنود الأوكرانيين الذين من المتوقع أن يشعروا بالتحسن بعد تزويدهم بها، فبعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها أوكرانيا مؤخراً خلال هجومها المضاد، وبعدما أوشكت القذائف المدفعية للقوات الأوكرانية على النفاذ، من المرجح أن تُستخدم القنابل العنقودية ضد الدبابات الروسية، وستُستخدم بكميات غزيرة لدرجة أن الآلاف من هذه المتفجرات الصغيرة ستترك في المناطق الريفية مخبأة تحت التربة حتى يكتشفها الأطفال في العقود القادمة.
وفي ساحة المعركة، سيتم توزيع صور المدنيين ممن تمزقت أجسادهم، وكذلك الجنود، في كل مكان بلا شك من قبل وحدة الدعاية في كييف، وهي نفس الوحدة التي تساعد الصحفيين البريطانيين بقصصهم البذيئة حول “رؤية” القنابل الروسية على جوانب محطة زابوريجيا النووية، على سبيل المثال.
يعاني حلف الناتو من أزمة على عدة مستويات، ولا تقتصر معاناته على عدم قدرته على هزيمة الروس، بل إنه يعاني من مشكلة مالية ألمح إليها أمينه العام خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد مؤخراً.
كان من المأمول أن ينفق المزيد من أعضائها على الدفاع أو على الأقل الوصول إلى عتبة 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي، لكن يبدو الأمر كما لو أن ستولتنبرغ يعرف أنه مع انهيار اقتصادات الاتحاد الأوروبي، فقد تعطل البنك المركزي الألماني لدرجة أنه يحتاج إلى طلب إنقاذ من البنك المركزي الأوروبي، لذلك فإنه من الصعب أن تكون مستويات المساعدة العسكرية إلى ما كانت عليه من قبل.
من المؤكد أن مبادرة إرسال القنابل العنقودية إلى أوكرانيا، هي بادرة يائس للغاية ومثيرة للشفقة على العديد من المستويات، والسيناريو الأفضل بالنسبة لزلينسكي، يكمن في السعي لإيقاف الصراع لفترة غير محددة من الوقت فيما يسميه المحللون “التجميد”، خاصةً أن مبادرة بايدن لإنقاذ زيلينسكي هي الإسوء على الإطلاق، إذ يعد استخدام هذه الذخائر لمهاجمة قوات العدو أو مركباته عملاً غير قانوني بموجب القانون الدولي، كما أن ضرب المدنيين بهذه الأسلحة قد يرقى إلى اعتباره “جريمة حرب” ، وفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”.