دراساتصحيفة البعث

الناتو آلة حرب حقيقية

عائدة أسعد

لا تبشر قمة الناتو التي اختتمت لتوها في فيلنيوس- ليتوانيا بالخير للسلام العالمي، لسبب بسيط وهو أن أياً من المشاركين لم يكلف نفسه عناء الحديث عن السلام، بل بدلاً من ذلك ركزوا على الحرب، وعلى وجه الدقة كيفية إطالة أمد الصراع الروسي الأوكراني.

وقد ألقى إعلان الولايات المتحدة، في 7 حزيران الماضي، تزويد أوكرانيا بذخائر عنقودية، والتي تحظرها أكثر من 120 دولة، بظلاله على اجتماع الدول الأعضاء في الناتو البالغ عددها 31 دولة حتى قبل أن يبدأ ، ما يفضح جبن ونفاق التحالف العسكري بقيادة واشنطن.

أما الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، الذي تم تمديد ولايته لمدة عام آخر بسبب طاعته المطلقة للولايات المتحدة، فاكتسب بالفعل سمعته باعتباره الأحمق الأكبر حسب ما أدلى به مؤخراً رئيس الوزراء الأسترالي السابق بول كيتنغ في مقال له.

وكانت جميع المحادثات التي أجراها ستولتنبرغ، ومعظم قادة الناتو الآخرين، تركز على دعم أوكرانيا ضد روسيا من خلال تزويدها بمزيد من الذخيرة، وتدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة طائرات مقاتلة من طراز F-16، في حين لم يتحدث أحد من قادة الناتو أو يظهر أي اهتمام بالمساعدة في التفاوض على وقف إطلاق النار في الصراع الروسي الأوكراني، أو البحث عن حل دبلوماسي للأزمة.

وحسب تغريدة لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، وهو أحد الاستثناءات القليلة بين القادة الغربيين: “بدلاً من شحن الأسلحة إلى أوكرانيا، يجب أن نحقق السلام في النهاية”.

في المقابل،  شدد ستولتنبرغ على أن أعضاء الناتو سيرفعون إنفاقهم العسكري بنسبة 8.3٪ في عام 2023، ودعا إلى زيادة ميزانية الناتو بشكل أكبر على الرغم من حقيقة أن الولايات المتحدة وحدها تنفق على الدفاع أكثر مما تنفقه الدول العشر التالية مجتمعة، ودعا إلى سباق تسلح في وقت يكون فيه التحدي الأكبر الذي يواجه البشرية هو تغير المناخ، والسعي لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

إن حلف الناتو، على الرغم من خطابه المنمق، لا يعتبر تحالفاً دفاعياً في أي حال من الأحوال نظراً لسجله سيئ السمعة في ليبيا والعراق وأفغانستان، حيث أدت هذه الحروب والغزوات والاحتلال إلى مقتل عدد لا يحصى من المدنيين الأبرياء، وخسائر اقتصادية تقدر بمليارات الدولارات.

وليس هذا فقط، فقد اتهم حلف شمال الأطلسي، في بيانه، الصين باستخدام مجموعة واسعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية لزيادة تواجدها العالمي، واستعراض قوتها، ولكن في الحقيقة الناتو هو الذي يحاول إخضاع العالم عسكرياً في تناقض حاد مع جهود الصين للمساعدة في بناء الطرق والجسور، وغيرها من مرافق البنية التحتية في البلدان النامية.

يرفض الناتو حتى الآن تعلم أي درس من الحروب والغزو والاحتلال ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء، وبدلاً من ذلك تضاعف هذه المنظمة من توسعها المتهور باتجاه الشرق. وحسب العديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين ومراقبي السياسة الخارجية فإن توسع الناتو منذ التسعينيات كان بمثابة شرارة رئيسية للصراع الروسي الأوكراني، وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أوقف خطة الناتو لفتح مكتب اتصال في اليابان، إلا أن ستولتنبرغ لا يزال يصر على أنه لن يتخلى عن جهوده للقيام بذلك، وأنه ستتم مناقشة الموضوع في المستقبل.

من الواضح أن الناتو يحاول جلب الطاعون إلى آسيا، تلك المنطقة التي لم تشهد منذ عقود أي حرب، بل السلام غير المسبوق والتنمية الاقتصادية. لذلك، إن قعقعة السيوف من قبل الناتو في فيلنيوس تظهر ضعف ويأس المنظمة في مواجهة الصعود السريع لبقية العالم، وخاصة الدول النامية، وقد شاهد بقية العالم الألوان الحقيقية للحلف، ولن يخضع لها.