قانون العقود /51/ محط اتهام.. واقتراح بإحداث هيئة مختصة بالإشراف على العقود الحكومية
البعث الأسبوعية – حسن النابلسي
تهمة من العيار الثقيل يطلقها بعض المراقبين بحق قانون العقود رقم /51/ لعام 2004 تتمثل بأنه أكبر بوابة للفساد ومنفذا –بحكم ثغراته- للتواطؤ مابين موظفي الجهات العامة ومتعهدي القطاع الخاص لتمرير صفقات مشبوهة تهدر المال العام لاسيما وأن معظم الجهات العامة تتعامل مع هذا القانون الذي بات بنظر الكثيرين بحاجة إلى تعديل ليكون أكثر صرامة وصونا للمال العام، في الوقت الذي يبرئه البعض كنص تشريعي ملقين اللوم على المفاصل المنفذة له، فهو –برأيهم- شأنه شأن أي قانون أو نص تشريعي أخر لا يخلو من ثغرات أو لبس في بعض مواده، والتجربة هي الفيصل بمدى نجاعته وقدرته على ضبط العلاقة بين أطرافه، وهو بالنهاية ليس نصا مقدسا ويمكن تعديله إذا اقتضت الحاجة لذلك.
منبع أهميته
لعل الأهمية التي يحظى بها نظام العقود تنبع من كونه يطبق على معظم الجهات العامة في الدولة سواء كانت من القطاع الاقتصادي أو الإداري أو الإنشائي، ما يعني ضرورة تدريب وتأهيل المتعاملين معه، وأهمية تفسير بنوده بشكل واضح وصريح تفاديا لإعطاء المبررات غير المقنعة في حال الوقوع في مطب التجاوزات، وهذه المسؤولية لا تقع على عاتق وزارة المالية –وهي الجهة المصدرة للقانون- بل مسؤولية كل جهة تتعامل معه حيث يجب عليها أن تخاطب المالية للتوضيح في حال وجود لبس معين أو تشكيل لجنة تقترح تعديلا لبعض المواد تتناسب مع خصوصية الجهة المعنية ذات العلاقة واتخاذ قرارا بهذا الخصوص، لا أن تبقى الأمور معلقة بين الخطأ والصواب وبالتالي إتاحة المجال لتمرير ما يمكن تمريره من تحت الطاولة وفوقها على حساب المصلحة العامة.
الفساد بالتنفيذ
اعتبر مصدر حكومي أن القانون الحالي جيداً بنسبة 90% منه لكن الإشكاليات المتمخضة عنه تكمن بأدوات التنفيذ وليس في القانون، والإشكاليات الموجودة فيه ليست هي السبب في الفساد القائم، فهي تؤدي إلى اللبس في تنفيذ مادة ما أو اتخاذ إجراءا معينا، وأن مقترحات تعديله الحالية لن تنقله نقلة نوعية، موضحاً أن الـ10 % التي ينتابها الإشكالية تتعلق بسقف الشراء المباشر المنخفض جدا، إضافة إلى موضوع فروقات الأسعار (ارتفاعها وانخفاضها) التي تربك آلية حسابها الجهات العامة، إلى جانب موضوع كسر الأسعار الذي لم ينص عليه القانون صراحة، حيث أن عدم النص على شيء يعني الإباحة، وعلى الرغم أن الكسر ممنوعا عرفا إلا أن بعض الجهات العامة قد تفهمه مباحا كون أن المنع لم يرد صراحة في نص القانون، منوهاً بأن الثغرات الموجودة في القانون هي في الحد الطبيعي.
خصوصية
لعل أكبر إشكالية تواجه تطبيق القانون هو الاختلاف في الخصوصيات بين الجهات العامة خاصة بين تلك ذات الطابع الاقتصادي، والأخرى ذات الطابع الإداري، فضلا عن الجهات العامة الإنشائية، فسابقا كان لكل زمرة من هذه الزمر الثلاث نظاما خاصا للعقود حسب كل زمرة، وبالتالي اعتبر مصدرنا أن القانون /51/ راعى هذا الأمر بوضع نصوص عامة ولكن ليست خصوصية لكل قطاع، مشيراً إلى أن القانون الذي كان يحكم القطاع الإداري كان أكثر مرونة من المرسوم الذي كان يحكم القطاع الاقتصادي، ليأتي القانون /51/ ليأخذ التسهيلات التي كانت في القطاع الإداري ووضعها بالصك الجديد وأعطى نصوص عامة مرنة التطبيق في كلا القطاعين الإداري والاقتصادي.
وبين المصدر صعوبة أن يكون لكل جهة عامة نظام تعاقد خاص بها، نظرا لأن الجهات الرقابية لا تستطيع حفظ نظام التعاقد لكل جهة وتدقق عليه، وعلى اعتبار أن وزارة المالية هي الممثل المالك فيجب أن يكون لديها خطوطا عريضة تمكنها من التعامل مع الجهات العامة في مثل هذه القوانين، وهي المعنية بتفسير مواد قانون العقود في حال وجود أي لبس.
عقلية بيروقراطية
رغم تحفظه على بعض مواد القانون /51/ ردّ مستشار قانوني يعمل لدى إحدى الجهات العامة التجاوزات التي تصدر عن تطبيق القانون إلى عقلية القائمين على تنفيذه، مؤكدا أنه لو أحضرنا أفضل قانون للعقود في العالم وطبقناه بنفس العقلية البيروقراطية الموجودة حاليا سيحصد نفس النتائج، لاسيما في ظل غياب جهة مركزية مسؤولة عن تدريب العاملين على تطبيقه حتى يكون لدينا تطبيقا واحدا للقانون ونصل لفهم مشترك له، وهذا يقتضي وجود هيئة متخصصة بالإشراف على العقود الحكومية.
وقال المستشار: لدينا عدة هيئات متخصصة بـ(الاستثمار –التطوير العقاري – التمويل العقاري ..الخ) تشرف على أمورا وقضايا أعتقد أنها أقل أهمية من الإشراف على العقود الحكومية، خاصة وأن أكثر من ثلثي الموازنة العامة للدولة يتم إنفاقها عن طريق قانون العقود، وهذا يستحق –بالتالي- أن يكون لدينا هيئة –أو مكتب على أقل تقدير- للإشراف على تنظيم وتنفيذ العقود الحكومية.
لتخفيف الفساد
واعتبر المستشار أن إحداث هيئة في هذا الخصوص من شأنه أن يخفف من الفساد الناجم عن العقود الحكومية كونها ستتولى متابعة أفضل التجارب العالمية المتعلقة بنظام التعاقد لتطبيقها في سورية، إضافة إلى وضع دفتر شروط نموذجي لكل نوع من أنواع التعاقد يمكّن الجهات المعنية من استدراك الأخطاء الموجودة، ويمكن أن تكون هذه الهيئة بمثابة مرجع تلجأ إليه الوزارات والمديريات للاستفسار عن أية حالة تواجهها أثناء التعاقد، فضلا عن إمكانية الهيئة القيام بأرشفة تفاسير الجهات العامة للقانون العقود وبالتالي يتم اجتثاث الاختلاف في التفسير والتطبيق، ناهيك عن مهمة الهيئة بتدريب العاملين ودراسة التعديلات المقترحة وتلقي شكاوي المتعهدين حول الأخطاء المتعلقة بتفسير القانون وتطبيقه وانعكاساته السلبية على المصلحة العامة.
مجافي للعدالة
وأضاف المستشار القانوني أن تطبيق القانون قد يتنافى مع العدالة خاصة في مسألة فروقات الأسعار وسقوط حق المتعهد بالادعاء بارتفاع الأسعار بعد قبضه للسلفة وغيرها من المسائل التي تؤدي إلى اختلال التوازن الاقتصادي للعقد..فمثل هذه الحالات يمكن للهيئة أو المكتب التوصية بإجراء أو تدبير يخفف من الضرر المتوقع عن الحكومة أو المتعهد.
عقبة
وبين المستشار أن العقبة الأساسية تجاه إحداث هيئة أو مكتب متخصص بالإشراف على العقود أو المشتريات الحكومية تتمثل بالخوف من أن تحل هذه الهيئة أو المكتب محل بعض الأجهزة المؤسساتية وتأخذ دورها، موضحا أنها لن تقوم بأي دور رقابي أو محاسبي، ولن تتقاطع مهامها مع الأجهزة المؤسساتية في الدولة، وإنما دورها يكمن بالمساعدة والمساندة والتأهيل، ولكن يمكن إعطاؤها بعض الصلاحيات للقيام بعملها على أكمل وجه إزاء أي خلل اقتصادي في العقد، مشيرا إلى أن هذه الفكرة موجودة في أغلب دول العالم ولا يمنع تطبيقها في سورية بحيث تضم بعضوية مجلسها خبراء العقود.
يتسبب بالهدر
عزا أحد المدراء المركزيين في إحدى الوزارات سبب الهدر الكبير الناتج عن العقود المبرمة مع الخارج المغطى قانونيا تحت مسميات نفقات (الإعلان – فض العروض – الوقود..الخ) إضافة إلى نسبة العمولة غير المستهان بها، إلى قانون العقود رقم 51 الذي سمح نتيجة ثغراته لإعطاء المجال لإتباع هذه الأساليب ضمن إطار قانوني، داعياً إلى وجوب دراسة القوانين والأنظمة لتلافي مثل هذه الثغرات التي تظهر عند تطبيق القوانين على أرض الواقع، معتبرا أن تعديل القوانين بعد تطبيقها لأكثر من مرة دليل على ضعفها وهذا ينعكس على الأداء وعدم تحصيل نتائج إيجابية.
وأضاف أن استيفاء القوانين لكافة شروط البيئة التي تعمل بها يحد بشكل كبير من الفساد، مشددا على ضرورة الاعتماد على لجان مختصة وذوي خبرة بصياغة مشاريع القوانين، لا أن تكون حصرا على فئة ضيقة تتعلق بشخص يصدر قرار لتشكيل لجنة تعمل لصالح جهة معينة وفي حدود ضيقة.
آخر القول…
لعل اقتراح المستشار هو الحل الأمثل لتفادي كل التجاوزات وهدر المال العام، فوجود جهة مركزية مسؤولة عن قانون تتعامل يطبق على معظم الجهات المعنية من شأنها أن تضبط كثير من التجاوزات أو على الأقل تخفف منها خاصة إذا أسند إليها مهمة تفسير مواد القانون وإزالة اللبس والغموض التي يكتنفها ليكون هناك تفسيرا واحدا معتمدا لا أكثر.