ظاهرة “الاحتباس الحراري”.. تهديدات تطال الزراعة والبيئة ..وتأثير متزايد في المناخ
دمشق – حياة عيسى
تمرّ الأرض بـ”مرحلة الغليان العالمي” كما دعاها الأمين العام للأم المتحدة أنتونيو غوتيريش، وسمّيت الغليان نتيجة ما يحدث للأرض من احتباس حراري شديد جداً، إضافة إلى ذلك تكاتف الاحتباس الحراري مع ظاهرة النينو مع ما يسمّى القبة الحرارية، وهي اختلافات بالضغط الجوي وتعدّ حالة استثنائية وطارئة تحدث نتيجة تغيّرات الضغط الجوي وهي ذات فترة قصيرة محدّدة بالأيام.
رئيس الجمعية الفلكية في سورية محمد العصيري بيّن في حديث لـ”البعث الاسبوعية” أن القبة الحرارية تمركزت فوق شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، وبالتالي لم تكن فوق سورية، ورغم ذلك تأثرت البلاد بحوافّ القبة الحرارية وما حملته من زيادة الحرارة، ولو كانت القبة الحرارية في سورية لأدّى ذلك إلى زيادة درجات الحرارة إلى ما فوق الـ52 درجة في دمشق، ولكن تمركز القبة الحرارية في شمال إفريقيا كالجزائر، وتونس، والمغرب، وليبيا، إضافة إلى جنوب أوروبا إيطاليا تحديداً، وما سمعناه عن أرقام قياسية في درجات الحرارة خلال شهر تموز الذي صُنّف على أنه الأعلى حرارة خلال السنوات المسجلة، أي من خلال تاريخ سجل الأرض بدرجات الحرارة يعدّ شهر تموز الفائت الأعلى حرارة حتى الآن.
وأضاف : من المتوقع عالمياً أن يكون شهر آب شديد الحرارة وأن تتابع سجلات الأرقام القياسية تسجيل أرقام حرارية غير مسبوقة، ويعود السبب الآخر “للاحتباس الحراري” إلى ارتفاعها، وهو الأهم والنتيجة الحتمية لما يقوم به الإنسان من بث الغازات الدفيئة الزجاجية كـ”غاز ثاني أكسيد الكربون” و” غاز الميتان”، علماً أن نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون الطبيعية قبل الثورة الصناعية كانت 250 جزيء لكل مليون جزيء من جزيئات الغلاف الجوي، أما الآن فقد أصبحت نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون تتجاوز الـ421 جزيئاً لكل مليون جزيء من جزيئات الغلاف الجوي، أي هناك تضاعف بنسبة غاز ثاني أكسيد الكربون، وهذا التضاعف سبّب وجود غلاف جوي إضافيّ للغلاف الجوي للأرض، وهو يقوم مقام الدفيئة الزجاجية ويحتبس الحرارة ويحتبس الأشعة تحت الحمراء، ما يؤدّي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، علماً أن درجات حرارة الأرض ارتفعت عن معدلاتها 1,8 درجة، مع الإشارة إلى أن ارتفاع درجة واحدة عن المعدل يسبّب كارثة في محصول القمح وذوبان الجليد وارتفاعاتٍ في منسوب المياه إلى أرقام كبيرة جداً، ويهدّد الدول إذا وصل إلى درجتين عن المعدلات، فهناك جزر كالجزر الإندونيسية والمالديف يمكن أن تختفي بفعل ذلك، وهناك تهديدات حقيقية لإيطاليا والبندقية ومالطا وقبرص نتيجة ارتفاع منسوب المياه وخاصة في السواحل المطلة على المحيط، ولهذا أعلن الأمين العام للأمم المتحدة حالة الطوارئ المناخية نتيجة الارتفاعات غير المسبوقة لدرجات الحرارة، كما أن للنشاط الشمسي دوراً في ارتفاعات درجات الحرارة، لكن الآن الرياح الشمسية والفلك بشكل عام بريء تماماً مما يحدث على الأرض لأن ما يحدث يعود لما يقوم به الإنسان من ممارسات خاطئة لزيادة نسبة الغازات الدفيئة.
من جهته، رئيس مركز التنبّؤ في المديرية العامة للأرصاد الجوية شادي جاويش، أشار إلى أن تموز 2023 الأعلى عالمياً بالنسبة لمعدل درجة حرارة الأرض مقارنة بالسجلات السابقة، وكسر الرقم القياسي لمعدل حرارة كوكب الأرض عدة مرات، حيث سجّل (المتوسط العالمي اليومي لدرجة حرارة الهواء) في 6 تموز 2023 وحسب المركز الأوروبي رقماً قياسياً جديداً وهو 17.08، والرقم السابق هو 16.80 في 13 آب 2016، ووفق المركز الياباني لإعادة تحليل البيانات المناخية سجّل ٧ تموز 2023 رقماً قياسياً جديداً هو 17.24 والرقم السابق كان 16.94 في 6 آب 2016، كما أشار تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أن متوسط درجة الحرارة العالمية تجاوز لفترة مؤقتة عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الحقبة الصناعية خلال الأسبوعين الأول والثالث من تموز، ونتيجة تشكّل ما يسمّى القبة الحرارية في مناطق مختلفة حول العالم سجّلت الصين منطقة توربان رقماً قياسياً جديداً هو 52.2 درجة مئوية، بينما سجّلت أمريكا الشمالية 53.3 في 16 تموز الماضي، وكان تأثير القبة الحرارية كبيراً على منطقة حوض المتوسط (جنوب أوروبا وشمال إفريقيا)، حيث سجّلت سردينيا جنوب إيطاليا 48.2 درجة مئوية، وكانت درجة حرارة الهواء أعلى من معدلاتها بنحو 10 حتى 15 درجة مئوية، بينما ارتفعت درجة حرارة البحر المتوسط إلى 32 درجة مئوية وهي أعلى من معدلاتها بنحو 7 درجات مئوية.
وأشار جاويش إلى أن التأثير محدود على سورية نتيجة وقوعها على الأطراف البعيدة للقبة الحرارية، حيث سُجّلت ثلاث موجات حارة منذ بداية فصل الصيف لكنها كانت متوسطة الشدة، وكانت درجات الحرارة مرتفعة لكنها لم تسجّل أي أرقام قياسية حتى الآن، وحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية هناك احتمال 98% أن تكون واحدة على الأقل من السنوات الخمس المقبلة هي الأكثر حراً على الإطلاق، وهناك احتمال بنسبة 66% أن تكون الزيادة في درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية مؤقتاً فوق متوسط الفترة بين عامي 1850-1900 لعام واحد على الأقل من السنوات الخمس القادمة.
وبالعودة إلى رئيس الجمعية الفلكية الدكتور محمد العصيري، فقد تطرّق خلال حديثه إلى معاهدة باريس للمناخ التي وقّع عليها معظم دول العالم، ولكن للأسف الشديد حتى هذه اللحظة لم تُنفّذ أي دولة التزاماتها حول موضوع المناخ، وما زالت الدول الصناعية وخاصة الولايات المتحدة الأميريكية التي تشكّل العبء الأكبر على الغلاف الجوي، علماً أن هذا العبء سيستمر حتى لو تم التوقف اليوم عن بث غاز ثاني أكسيد الكربون لأن الأرض ستحتاج إلى ما بين 20 – 30 سنة حتى تتعافى من نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون الموجودة حالياً، ولاسيما أن الانبعاثات الحرارية لم تتوقف وما زالت بأرقامها القياسية ومازال الاحتباس الحراري موجوداً بأرقام كبيرة جداً، كما أن التعاطي مع موضوع الدفيئة الزجاجية وتغيّرات الحرارة ما زال سلبياً، لذلك لابدّ من اتخاذ خطوات إيجابية لأننا أمام ثلاث كوارث (العواصف الغبارية وخاصة في بلادنا ولاسيما أنها كانت مستوردة للعواصف الغبارية واليوم أصبحت مصدّرة لها، أي أن العواصف الغبارية تنشأ في بلادنا وهو خطر حقيقي وكبير قد يسيء للبلاد ولحياة الأشخاص في سورية، وكذلك حرائق الغابات لأنها تعيد زيادة ضخ غاز ثاني أكسيد الكربون أي أنها تساهم في غاز ثاني أكسيد الكربون لزيادة الاحتباس الحراري، وبالتالي تصبح كالسلسلة المترابطة لزيادة الاحتباس الحراري.
أما بالنسبة للحلول، والحديث للعصيري، فهي تتعلق بمجموعة من الحلول (فردية، وقطرية، وعالمية)، ففي حال البدء بالحلول الفردية يتوجّب علينا البدء من أنفسنا من خلال المحافظة على البيئة، والاهتمام بالماء وتقنينه، والحد من استخدام الأكياس البلاستيكية، أما الدولة فيجب الاهتمام أكثر بموضوع التشجير لأنه خط الحماية وعامل الأمان، والحفاظ على رئتي سورية، وفيما يتعلق بالممارسات الدولية اليوم العالم يغلي وعليه أن يتحد ولاسيما أننا على أبواب انقراض سادس، فالتهديد البيئي اليوم يهدّد البشرية كلها بانقراض سادس كما علّمتنا الأرض، وعلينا معالجته، فالضوء الأحمر تمت إضاءته، والتهديد يشمل الجميع، لذلك علينا الحفاظ على كوكب الأرض من خلال الحفاظ على البيئة.