مجلة البعث الأسبوعية

دول عربية بعين الذكاء الاصطناعي.. تشويه للحقائق لأغراض سياسية

 البعث الأسبوعية- أماني فروج

على ما يبدو أن ثورة الذكاء الاصطناعي قد اختارت وقتها الأمثل لطرح بضعة صور للدول العربية التي لن تظهر وكأنها تنمو وتتطور وحسب، بل صورها تسابق الزمن مئة عام على مستقيم السلبية وتعود لحقب زمنية متأخرة حتى بداياتها الأولى والتي لم تكن يوماً بهذه الصورة المتخلفة.

وهذا ما رأيناه من خلال الصور المستقبلية التي مثلتها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لسورية ومصر والعراق، وانتشرت بشكل واسع على شبكة الإنترنت ومن المفترض تخيل ملامحهما بعد مرور مئة عام، وتخمين الهيئة التي ستبدو عليها كما ستصُوّرها عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة.

ولنلفت النظر ونُذكر بأن الهدف الأساسي الذي تبناه الذكاء الاصطناعي عموماً تحسين وتطوير طرق الحياة للبشر، والأمر عينه يسقط على المدن الذكية من خلال الحصول السريع على كميات ضخمة من البيانات وتحليلها بسرعة فائقة لاتخاذ قرارات أكثر استنارة بهدف تحسين طرق الحياة لسكان هذه المدن في شتى المجالات الخدمية والاقتصادية والبنى التحتية المتطورة فستكبر المدن وتتضخم بسرعات بالغة.

لا شك أن الحضارات القديمة التي مرت على دولتي الوحدة العربية مازالت وسام فخر يعتلي تاريخ هذين البلدين العريقين والآثار السورية والمصرية تروي قصصاً من البطولات والثورات التي قامت على أرضيهما للتحرر من الاستعمار لتنال حريتهما إلى جانب النهضة العمرانية للعرب القدماء بالرغم من بساطة الأدوات والخبرات لليد العاملة في ذاك الحين، ويرسما ملامح بلاد حضارية وتنموية استثمرت التكنولوجيا وأدخلتها في المناهج التعليمية والمؤسسات الحكومية ضمن الإمكانيات المتاحة.

اختلفت النظرة إلى هذا الطرح بين العديد من الاختصاصات، فالبعض يرى أن هذه التكنولوجيا تتقدم مع الوقت، وهي تعتمد بشكل كبير على كمية ودقة المعلومات والبيانات التي نقدمها للذكاء الاصطناعي، وكل ما كانت المعلومات الموفرة لهذه التكنولوجيا دقيقة كانت الأجوبة والنتائج أدق أو أقرب صورة للواقع، كما أن الذكاء الاصطناعي قادر على استرجاع الصور القديمة وكأنها صورت في وقتنا الحالي وهذا قد يعرف الأجيال القادمة على تاريخ هذه المدن.

ومن وجهة نظر أخرى فإن هذه المعرفة المعمارية تأتي من بيانات معمارية حسية تترجم في مخططات معمارية، وهذا يختلف تماماً عن طريقة تعامل الذكاء الاصطناعي مع العمارة، حيث يترجم النص إلى صورة، إلا أنها لا تفهم اللغة كما يفهمها البشر، ولذلك في حالة اختيار بيانات عشوائية أو سمات ثانوية قد تنتج صور غير دقيقة.

وقبل أن يتحدث عن الموضوع، رأى المحلل السياسي بشير بدور أنه من الضروري وضع تعريف للذكاء الاصطناعي، وتحديد الخطوط والمفاهيم التي أحدث لأجلها وقال: ” هو فرع من علوم الحاسوب يعنى بتصميم آلات قادرة على فهم بيئتها وتنفيذ مهام موكلة إليها تتطلب في مجملها مستوى عالي من الذكاء والمسؤولية والتقنيات وتعتمد على البيانات والمعلومات التي تبني على أساسها الفرضيات والحلول كالتعليم الآلي والتغيير الجذري في الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم”.

وأضاف “إن الذكاء الاصطناعي يعرف على أنه استخدام التطبيقات الذكية لإيجاد حلول برمجية ونوع من العمل على تطبيق الصناعات لتحسين سلاسل التوريد والتنبؤ بالنتائج الزراعية والصناعية إلى جانب تعاريف واستخدامات واسعة الطيف تنسب لهذا العلم القائم بحد ذاته يمكن الحديث عنها فلا يمكن أن يستمر إلا بوجود الحلول البرمجية وإنشاء نماذج يمكنها تطوير حالات البرمجة والخوارزميات الرياضية وبالتالي فهو مقاد تقنياً وعلمياً ومحركه الأساسي العقل الإنساني ويخضع للتطور البشري الذي يتحكم بماهية البيانات والإنجازات التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي”.

وأشار بدور في حديثه إلى أن الأمم المتحدة تبحث في النظم القانونية لاستخدام الذكاء الاصطناعي الأمر الذي اعتبره في غاية الأهمية، ويجب وضع ضوابط محددة وواضحة كونه سلاح ذو حدين فله فوائد هائلة للعصر الرقمي الآتي إذا استخدم ضمن الأطر الإيجابية والتطويرية في تكنولوجيا العمل فهو يقود المجتمعات البشرية إلى نجاحات هامة في تطوير الكثير من المفاصل الحياتية في كافة الجوانب العلمية والعملية والأهم في القطاع الصحي.

وفي ذات السياق عرج بدور إلى أن الانجرار خلف النواحي السلبية سيقود العالم إلى خداعات وإرهاصات وتطور عكسي في سلبية العيش وضياع الإنسان من خلال انحلال القيم، وفي الوقت ذاته يمكنه قلب الحقائق إذا اعتمد على المعايير اللا إنسانية، ويسبب خللاً كبيراً في سلامة وإرادة مستخدميه على الكرة الأرضية ككل.

أما من الجانب السياسي لفت بدور إلى خطورة المؤامرة التي أُحكيت للشرق الأوسط تحت مسمى “الربيع العربي”- “العبري”- على حد تعبيره كون مشّرعها صهيوني أمريكي بدأ بإنطلاق كونداليزا رايس ما يسمى “مشروع الشرق الأوسط الجديد” وصولاً إلى الجغرافيا السورية التي كانت تسعى للتقسيم من خلال استهداف الإرهاب للعديد من العواصم العربية، والشرقية كموسكو وبكين وإيران وكلها جاءت من خلال الاستكبار الدولي الذي ترعاه الدول الأمريكية بأنظمة استخبارات يهودية وبريطانية وبالتالي هو تطور سلبي لعمل هذه الإدارات نخو التخريب والترهيب.

وتابع بدور بالقول “هذا الجانب شهدناه خلال أربعة عشرة عاماً من الحرب الكونية التي بدأت بمؤامرة وانتهت بصراعات عسكرية على الأرض ولحقتها تبعات اقتصادية واجتماعية وربما توسعات لتكون إقليمية تعيش على المسرح الدولي كل من العمليات العسكرية الأوكرانية، وهذا كله نتيجة لتطور سياسة الإدارة الأمريكية وانشقاقها نحو الحالة السلبية والتعامل بالأحادية والكيل بكفة واحدة”

وشدد بدور خلال كلامه على رفض الواقع الاصطناعي الذي لجأت دول الغرب إلى حالة تطور الذكاء الاصطناعي التي تجلت من خلال البرامج والبرمجيات التي تسعى لتشويه صور الشخصيات السياسية والواقع الاجتماعي والصناعي والعمراني، لكن درجة الخطورة العالية كانت بتزييف التاريخ من تصميم برامج تحاكي المنظومات والسياسات الاجتماعية، وتشكل ضبابية كثيفة لشعوب المنطقة لتقنعها بالواقع الذي تخطط له.

وأوضح بدور أن تلك الصور التي انتشرت حول تصور مدينة دمشق في العقود القادمة، استخدمت لأجلها صور وأصوات افتراضية كبيانات ومعلومات لهذا البرمجية لإقناع الرأي العام الإقليمي والمحلي بأن هذا الأمور التي تجري على أرض الواقع ليست ما يجب أن تكون عليه وتتدهور بسلبية كبيرة مقارنة مع عواصم الغرب العالمية التي تنمو جمالياً وتقنياً، كما يخططون لها، وبالتالي يظللون حقائق التطور والبشر والمعلومات، ويروجون لخطر محدق يحيط بشعوب المنطقة العربية، الأمر الذي لن يكون له أي جنس من الواقع حتى من خلال الذكاء الاصطناعي الذي ستستخدمه عنونة وبرمجة كنوع من التحايل للتلاعب بمستقبل البلدان، مؤكداً على ضرورة وجود ثورة علمية حقيقية مناهضة لهذا التطور السلبي.

وللتعرف على الواقع التقني اتجهت البعث إلى أهل الاختصاص في كلية الهندسة المعلوماتية بدمشق وكان للدكتور خالد العمر، رئيس قسم الذكاء الصنعي، الذي اعتبر أن الصور التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تصور كيف يتخيل الذكاء الاصطناعي بعض الدول العربية ومنها سورية بعد مئة عام، ولكنه أعادها إلى عصور قديمة جداً تقنياً، وهي مجرد تكهنات لا صحة لها بالواقع لا من قريب ولا بعيد.

وحول المجالات التي يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي، قال العمر: “حقيقة الأمر أن الذكاء الاصطناعي إلى يومنا هذا هو واسع الاستخدام في المجال الأكاديمي في الجامعات وخصوصاً كليات الهندسة المعلوماتية، ومازلنا مواكبين أخر التطورات العلمية والتقنيات في هذا المجال، حيث يتم تدريس أحدث العلوم والتقنيات والتعلم الآلي والرؤية الحاسوبية والشبكات العصبونية والتنقيب عن المعارف في مناهج الكلية منذ زمن، ويتمثل ذلك بمشاريع طلاب الهندسة المعلوماتية في السنة الخامسة والسنة الرابعة”

وأضاف العمر “نقوم من خلال أبحاث طلاب الماجستير والدكتوراه وأبحاث السادة أعضاء الهيئة التدريسية في كلية الهندسة المعلوماتية بمواكبة التطورات الحديثة والسريعة ضمن مجال الذكاء الاصطناعي، ويتم نشر العديد من الأبحاث العلمية ضمن مجلات عالمية مرموقة ضمن مجالاته”.

أما عن إمكانية تطوير أدواتنا وتوعية المجتمع لاستخدامه بالشكل الأمثل، يرى العمر أنه يجب نشر ثقافة الذكاء الصنعي في المجتمع السوري بشكل أكبر من خلال الورشات العلمية والمؤتمرات.