حلب عبر العصور
فيصل خرتش
يؤرّخ كتاب “حلب عبر العصور” لـ جورج بلوا دو روترو، للمدينة، فيبدأ منذ القرن الثاني والعشرين ق. م، فقد جاءها الحثيون والمصريون والآشوريون والفرس، وغزاها الإغريق والرومان، وفتحها العرب، وحكمها الأمويون والعباسيون والفاطميون والمرداسيون والسلاجقة، واحتلها الصليبيون والمغول، وتملكها المماليك وتمركزوا فيها، وطردهم الأتراك العثمانيون سنة 1516، ثم جاء الانتداب الفرنسي، ومنحت جمعية الأمم لفرنسا حقّ الانتداب على سورية ولبنان، وأصبح الجنرال “لاموث” قائد الفرقة الثانية في جيش الشرق، ممثلاً عن المفوض العالي إلى دولة حلب، كان ذلك في تموز من عام 1920.
ويصف القلعة بأنها بتراء سامية وتشرف على المدينة، برابيتها التي يبلغ ارتفاعها 37 متراً، مضافاً إليه 21 متراً من الخندق، والمهاجم الذي يحاول حصار القلعة، كان يصطدم بحاجز أمامه. أما الخندق، فيمكن إغراقه بالماء للوقوف في وجه المهاجمين، إنّ هذا النظام الدفاعي كلّه من عمل الملك الظاهر، ويعود إلى السنوات الأولى من القرن الثالث عشر.
يوجد البناء الدفاعي الأمامي في الجنوب الشرقي للهضبة، وتعود النقوش التي يحملها البرج إلى حقبة السلطان غازي، أمّا الباب والمصراعان فهما من الحديد المطرّق من القرن الثالث عشر. ويستند الحجر المائل إلى ثماني عُقد بأقواس حادة، يؤدي إلى المدخل الكبير للقلعة، وتوجد تحته قناة تجلب الماء إلى القلعة.
إنّ البرج الكبير، حيث يقوم مدخل القلعة، مبنى رائع تعود أجزاؤه إلى القرن الخامس عشر، ويتألف مدخل القلعة من بهو يقع على امتداد الجسر وينتهي بجدار يصطدم به هجوم المقتحمين. ويتكوّن الباب من طبقات من الحديد المطروق يتصل بعضها ببعض بمسامير مثناة من المعدن، ينسب هذا الباب إلى الملك الظاهر، ويعلو هذا الباب، حيتان تحملان رأس تنين بآذان مدبّبة وعين مهدّدة.
يقوم الأسدان اللذان يزيّنان قاعدة الباب الخامس بدور الحماية للممر، ثبّت هذان الأسدان من الحقبة العربية في الجدار، إنهما ينبثقان من الباب كلّه، فيبدوان كالمدافعين الطبيعيين لهذا المدخل، بعد اجتياز باب الأسدين نعبر ممرّاً طوله عشرون متراً، أعدّت على جانبيه قاعات لسكن الحراس والإسطبلات، ويبدأ الصعود بدءاً من البرج الأمامي الأوّل، ويستمر على طول الممرّ، ثم ينتهي بالمسجد العلوي، ومباشرة إلى اليمين، نجد بئراً كبيرة من الماء العذب، تحت بناء عربي من حقبة قريبة إلى حدّ ما. وأمّا الغرف الواقعة غربي المسجد فهي تُستخدم حالياً لحاجات مختلفة، ونتابع السير باتجاه المئذنة، فنصل إلى أطلال المسجد العلوي الكبير، الذي أقامه الملك الظاهر 1214. وسنصادف إلى الشرق الثكنة المصرية، وقد بُنيت عام 1831، على يد إبراهيم باشا، وثمّة حصن كبير أمامه، مدخله أسفل الثكنة، وإلى الشرق منها توجد بئر حفرها الملك الظاهر، ورمّم في القرن السادس عشر، لقد كانت هذه البئر، تجلب الماء من القناة المتصلة مع القناة الكبرى التي تزوّد الأحياء بالماء، وهناك طاحونة مدوّرة تعود إلى حكم إبراهيم باشا.
عندما نصعد إلى سطح التل سنتجه يميناً إلى الحصن الأمامي الجنوبي، وهو برج جميل من القرن الثالث عشر، وقد شُيّد على وسط منحدر من حجر، وله مثيل في الشمال، هذان البرجان يمثلان شكل جناحين ولذلك يطلق على المرتفع اسم الجبل المجنح.
القلعة مكان مرتفع، وكانت تستخدم مقراً لإقامة أمراء حلب، فقد قام هؤلاء ببناء مقر كبير على هذا العلو، فكان هذا هو البرج الرئيسي للمدينة، ومن أعلاه نرى المدينة كلّها. وبواسطة ممرّ يتجه نحو مدخل القلعة، نصل إلى الفناء الذي يصلنا بالقاعة الكبرى العليا لمدخل القلعة، ويغطي القاعة سبع قباب، وقبتان مضلعتان يصل النور إليهما عبر النافذة الضخمة التي تقع وسط الواجهة الجنوبية، وتطلّ على المدينة وتشرف عليها، إلى الغرب من القاعة سلم يؤدي إلى الأقبية، سنخرج من أقبية قاعة العرش عبر سلم إلى الشرق، وينتهي قبل باب الحيات بقليل.
تقول التقاليد إنّ النظام المائي يمكن التحكّم به من القلعة، وكان بإمكان الحاكم أن يقطع وصول الماء إلى البيوت، والقاعة تملك خمسة صهاريج بأبعاد ضخمة، وثمة رأي يقول: إنّ هذه الصهاريج كانت تسمح بالحصول على الماء على عمق أقل من عمق القنوات والآبار من أجل الحمامات.
أقيمت أعمال رفع ركام مهمّة في قلعة حلب، وتخلص سطح التل من نفايات مختلفة الأنواع كانت تثقله، وغطيت منحدرات الهضبة الاصطناعية جزئياً بالتربة المستخلصة من التل، وحميت بعشب اصطناعي، مستردّة بذلك شكلها الذي كانت عليه فيما مضى.
هكذا تعود القلعة المرمّمة لتكون الصرح الضخم والرائع الذي سيفخر به سكان حلب، لقد فهم السكان الحلبيون أهمية هذه الأعمال، وشكلت جمعية تاريخية لحماية الصرح والمدينة وضواحيها، إنها جمعية العاديات، برئاسة مؤرّخ حلب الكبير، العالم كامل الغزي.
تعود الاكتشافات في القلعة إلى العام 1923، لكنها تمّت، كما يبدو، من دون منهجية، ولم يشترك أي متخصّص في هذه البعثات.
المؤلف في سطور:
جورج بلوا دو روترو (1904 – 1994) درس الأدب في فرنسا، وقضى الخدمة العسكرية لمدة سنتين في سورية (1924 – 1926)، ثم عاد إليها ليصبح مديراً لمتحفها في الفترة الواقعة بين 1929 و1941، وخلال وجوده قام بتنقيبات في قلعة حلب، وشمال سورية.
د. زبيدة القاضي من مواليد دمشق– دكتوراه في النقد الأدبي الفرنسي من جامعة ليون الثانية عام 1992، عضو الهيئة التدريسية في كلية الآداب – قسم اللغة الفرنسية بجامعة حلب. ولها من الكتب: الانتقال المجازي – الإله الخفي، وهذا الكتاب.