شركات النقل الداخلي الخاصة تفرض تعرفتها على الخطوط.. والجهات المعنية تبحث عن الحلول
دمشق- طلال ياسر الزعبي
لا تزال مشكلة النقل الداخلي في المدن والمحافظات تلقي بظلالٍ كثيفة على المواطنين الذين يضطرّون لاستخدام وسائل النقل الداخلي التقليدية، حيث يخضع المواطنون، والطلاب منهم خاصة، لأساليب متعدّدة من الابتزاز في سبيل الوصول إلى منازلهم بعد نهاية نهار طويل من الدراسة أو العمل، وعلى هذا الأساس من ضعف المواصلات المبرّر أحياناً بالقياس إلى وجود نقص في المحروقات، وغير المبرّر أحياناً أخرى مع وجود وسائل نقل تؤمّن لها مجالس المحافظات حصّتها من المازوت لمنع حصول اختناقات في مراكز المدن وتلبية لحاجة الناس، يتمّ تبرير العديد من الممارسات التي يُقدم عليها مالكو وسائل النقل الخاصة، وخاصة شركات النقل المرخّصة المتعاقدة أصلاً مع مجالس المحافظات لتغطية النقص الحاصل في قطاع النقل.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر، تمّ تعديل أجور النقل للباصات العاملة على خطوط ريف دمشق من لجنة النقل في المحافظة على أساس كيلومتري، حيث أصبحت تعرفة ركوب الباصات بالنسبة إلى المناطق التي تقع على بعد 15 كيلومتراً فما دون إلى 1000 ليرة سورية بدلاً من 500 ليرة، وذلك على خلفية الارتفاعات الأخيرة في أسعار المحروقات بما يتناسب مع التكلفة الفعلية للنقل، وحسب طلب شركات النقل وأصحاب الوسائل الخاصة والسرافيس، حيث تمّ ذلك طبعاً بحضور ممثلي شركات النقل ورئيس وأعضاء لجنة النقل في المحافظة.
ولكن شركات النقل الخاصة استغلّت المشهد الجديد لتقوم مرة أخرى بمضاعفة تعرفة النقل التي تتقاضاها من المواطنين، حيث تقوم إحدى هذه الشركات بتقاضي مبلغ ألفي ليرة على خط البرامكة جديدة عرطوز متجاوزة التعرفة الرسمية للخط المحدّدة بألف ليرة، فضلاً عن تلاعبها بالخط المخصّص لسيرها، حيث إن خط السير المخصّص لها فعلياً هو البرامكة جديدة عرطوز وينتهي الخط داخل الناحية في موقف البحرة، وتقوم الشركة بالاحتيال على الخط، وتنهي سيرها في بلدة عرطوز بعد أن تتقاضى أجرة مضاعفة.
بمتابعة هذا الموضوع، أكد أحد المواطنين من خلال حادثة حدثت معه أنه اختلف مع السائق على الأجرة التي حدّدها بألفي ليرة إلى بلدة عرطوز، حيث أكد الراكب أن لجنة النقل في المحافظة حدّدت التعرفة بألف ليرة فقط، وهذا الرقم هو نفسه الذي تتقاضاه شركة النقل الداخلي الحكومية التي أفسحت المجال بغيابها عن المشهد لهذه الشركة حتى تقوم باحتكار الخط، فتدخّل مراقب الخط بالقول: إن خط السير ينتهي عند مفرق جديدة عرطوز والشركة تبدي تعاوناً لإتمام الخط إلى بلدة عرطوز، وإن الأجرة حتى المفرق هي 1500 ليرة بشكل رسمي، وعندما حاجّه الراكب بأن التعرفة المحدّدة من المجلس هي 1000 ليرة، قال المراقب: ومن هو مجلس المحافظة.. نحن شركة خاصة شأننا شأن السرافيس، ليتدخّل أحد المرافقين العاملين على شركة النقل الداخلي الحكومية بالقول: إن هذه الشركة تقوم بشراء المازوت من السوق السوداء، ولذلك ينبغي أن تأخذ تعرفة مضاعفة، علماً أنه ركب في الباص مجاناً، وأن الشركة تحصل على مخصّصاتها من المازوت بالطريقة والكمية ذاتها التي تحصل عليها باصات الشركة الحكومية، فما كان من الراكب إلا أن أذعن ودفع التعرفة المطلوبة إلى مفرق الجديدة، حيث أجاب السائق الركاب بأنه امتنع عن إتمام الخط لوجود راكب معارض، في محاولة طبعاً لتحريض الركاب عليه الذين أبدَوا للأسف نوعاً من الاستهجان من تصرّفه هذا!.
وبعد أن قام السائق بإنهاء الخط عند مفرق جديدة عرطوز، وإنزال الركاب هناك، توجّه الراكب إلى شرطي المرور لإعلامه بما حصل وتوجيه شكوى رسمية بهذا الخصوص، وبعد أخذ وردّ قرّر الشرطي تنظيم شكوى للمدّعي، وتمّ إرسالها رسمياً إلى عمليات المرور لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
والسؤال المطروح: هل تُعامل شركات النقل الخاصة معاملة مختلفة عن شركة النقل الداخلي الحكومية، حيث يُعاقب سائقو شركة النقل الداخلي بالغرامة والحبس، بينما لا تتمّ محاسبة هذه الشركات على جميع التجاوزات التي تحدث في الطرق؟ ومَن الذي يعمل فعلياً على تفريغ خطوط النقل من الباصات الحكومية ليفسح المجال أمام شركات القطاع الخاص للتحكّم بالمشهد؟ وهل نستطيع الحديث عن فكرة “الغاية تبرّر الوسيلة” وإسقاطها على هذا المشهد، بمعنى أننا مضطرّون للسكوت عن هذه التجاوزات حتى لا نقع في مشكلة نقل جديدة؟ أوَلا يُلزم العقدُ هذه الشركات؟ أم أن مسؤولي الشركات لهم سطوتهم الخاصة على هذا القطاع؟.
عضو المكتب التنفيذي لشؤون النقل في محافظة ريف دمشق الأستاذ إياد النادر، أكد وجود بعض التجاوزات لدى شركات النقل الخاصة على بعض الخطوط، ومنها تقاضي تعرفة زائدة عن التعرفة المقرّرة، وأن المحافظة تعمل على إلزام هذه الشركات بهذه التعرفة، ولكنه أحال الموضوع إلى محافظة مدينة دمشق المسؤولة إدارياً عن موضوع النقل الداخلي.
مصدر مسؤول في محافظة مدينة دمشق (فضّل عدم ذكر اسمه)، أكد أن المحافظة على علم بهذه التجاوزات، وأنها تبحث في الطريقة المثلى لإلزام هذه الشركات بالتعرفة الرسمية، ولكنه أنحى باللائمة على المواطنين الذين يستنكفون عن تقديم شكوى رسمية إلى المحافظة للقيام بما يلزم لمحاسبة هذه الشركات.
وفي المحصّلة، لا بدّ من وجود صيغة معيّنة لإلزام الشركات الخاصة بالتعرفة الرسمية، حيث من الممكن إلزامها بإعلان التعرفة داخل الباص تحت طائلة المسؤولية كما تفعل بعض الشركات الخاصة العاملة في المدينة، حتى يتسنّى للراكب الاعتراض على السائق في كل ما يخصّ موضوع مضاعفة التعرفة.